مسار الجنة
إنّ من أعظم نعم الله -تعالى- على عباده أنه قد حدّد لهم بشارة الجنة، وبيّن لهم محاسنها في هذه الحياة، لكي يحبّوها ويتطلّعوا إليها، رغم ما قد يواجهونه من صعوبات وعقبات. وقد حذّر الله -تعالى- أيضاً من النار، مُظهراً أفظع صفاتها، ليستشعر العباد الخوف منها، حتى يبتعدوا عن أسبابها وأعمالها، وهذا هو السياق الذي ذكر فيه الله -تعالى- مهمة الأنبياء والرسل بأنهم مبشّرين ومنذرين، حيث قال: (رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)، وهكذا يصبح الأنبياء رسلاً يحملون البشرى بالأجر والثواب، وينذرون بالعذاب لمن يعصيه أو يشرك به.
لقد وضّح الله -تعالى- من خلال رسله الطريق الصحيح للوصول إلى رضاه ونيل جناته في الآخرة. فمن يسعى لدخول الجنة يتوجّب عليه التعب والسعي في ذلك، واتباع أوامره عز وجل. وأولى هذه الخطوات هي الإخلاص لله وحيده، ومن ثم الاستقامة على الطريق الذي يرضى به، حيث قال الله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا*إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا*فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا). أيضاً، فالاستقامة تتطلب الخوف من الله تعالى، وطاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (كلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلّا من أبى. قالوا: يا رسولَ الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنةَ، ومن عصاني فقد أبى).
نعيم الجنة
عندما يُدخل الله -تعالى- أحد عباده الجنة، يكون ذلك أعظم فضل ونعيم يلامس روحه على مر الزمن. فما أن يدخلها الإنسان حتى ينتهي كل حزن وتعاسة وفقر ومرض، ويرى بداية حياة جديدة مليئة بالسعادة والسرور لا تنتهي. وقد قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بخصوص شخص يعاني في الدنيا: (يؤتَى بأشدِّ النَّاسِ بؤساً في الدُّنيا من أَهلِ الجنَّةِ فيُصبَغُ صبغةً في الجنَّةِ فيقالُ لهُ: يا ابنَ آدمَ هل رأيتَ بؤساً قطُّ؟ فيقولُ: لا واللَّهِ يا ربِّ ما مرَّ بي بؤسٌ قطُّ ولا رأيتُ شدَّةً قطُّ)، وذلك لأن النعيم ينسى كل الآلام ويُجدد الأمل.
وإن من أوائل ما يجده المؤمن عند دخوله الجنة هو مرافقة أصحابه وأحبابه، حيث تزيد بركات الجمال والمودة بينهم، وكأنهم أقمارٌ تضيء في ليلة البدر. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أوَّلُ زُمرةٍ تدخلُ الجنَّةَ مِن أمَّتي، علَى صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم علَى أشدِّ نجمٍ، في السَّماءِ، إضاءةً، ثمَّ هم بعدَ ذلِكَ مَنازلُ). وعند دخولهم، لا يشعرون بأذى أو انزعاج، ويتزوج كل رجل فيه زوجه من حور العين، ويعيشون في تناغم وسعادة، حيث تتفاوت منازلهم وأجورهم، وأدنى واحد منهم له من النعيم مثل ملك أعظم الملوك في الدنيا.
وقد أعدت الجنة لساكنيها معمارًا خاصًا، فبنيت من لبن الذهب والفضة، وترابها يعبق بالمسك والزعفران. ثمارها ألذ وأحلى من العسل، بينما أنهارها تسير من اللبن والخمر والعسل. مشروباتهم من التسنيم والكافور، وطعامهم هو من أشهى الفواكه واللحوم. وهنالك شجرة في الجنة يستظل بها الراكب المجدّ لصاحب مائة عامٍ، ويسخر الله لهم خدمًا وغلمانًا بأجمل الصفات، كما وصفهم الله -تعالى- أنهم كاللؤلؤ المكنون. وهنالك حور عين لا يتماثلن للطبيعة، حيث تحافظ على شبابهن وجمالهن، مما يُبقيهن في أقصى درجات الجمال.
كامل ثمار الجنة
من أجل تثبيت النعيم في الجنة، جعل الله -تعالى- صيغة الحياة الأبدية للعباد، ما يضمن لهم النعيم الدائم، مما يزيد من فرحتهم ورضاهم. فقد ورد في الحديث الشريف أن الله -سبحانه وتعالى- يبعث إليهم برسالة بعد دخولهم الجنة، حيث يُنادى عليهم، وما يلبث أن يُحضر يوم الموت بشكل كبش أملح، فيُذبح على الصراط، فيصبح الخلود محفوظًا لهم. وبذلك يشعر أهل الجنة بفرح عميق على حالتهم المميزة.
أما أعظم ما يغمر الله -تعالى- به عباده فهو رضا الله عليهم، والذي يجعله أعظم النعم، حيث يُنادى أهل الجنة: هل رضيتم؟ فيسألون: أهناك خير أعظم من رضا الله؟ وعندما يُكشَف الحجاب، يرى المؤمنون وجه ربهم، وهو ما لا يُعطى في الدنيا، كما جاء في الحديث: (فُتِحَت لهم أبواب الجنة ليشاهدوا الوجه الكريم). قال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).