تحليل الشعر
تتميز الشعرة ببنيتها البسيطة، حيث تتكون من مادة الكيراتين (بالإنجليزية: keratin)، وهو نوع من البروتينات القوية في الجسم. تتواجد الخلايا الحية في بُصيلة الشعرة (بالإنجليزية: Hair bulb)، والتي تمثل قاعدة الشعرة، وتتغذى هذه الخلايا بواسطة الأوعية الدموية التي تنقل المواد الغذائية والهرمونات اللازمة لنمو الشعرة خلال مراحل حياتها المختلفة. تتكاثر الخلايا في بُصيلة الشعر لتشكيل ساق الشعرة (بالإنجليزية: Hair shaft) الثابتة داخل جُريب الشعر (بالإنجليزية: Hair follicle) حتى تخرج من الجلد. تمر الشعرة خلال حياتها بثلاث مراحل: مرحلة النمو (بالإنجليزية: Anagen phase) التي تدوم لعدة سنوات، تليها مرحلة التراجع (بالإنجليزية: Catagen phase) التي تشهد تباطؤًا في نمو الشعرة، ثم المرحلة النهائية (بالإنجليزية: Telogen phase) حيث يتوقف النمو وتنفصل الشعرة عن الجُريب لتسقط، مما يتيح المجال لنمو شعرة جديدة.
يُعرّف تحليل الشعر (بالإنجليزية: Hair Analysis) بأنه الفحص العلمي الذي يُجرى على عينة من الشعر، سواء كانت من مسارح الجريمة أو عينة مأخوذة من الرأس للدراسات الصحية. يتيح لنا تحليل الشعر أيضًا معرفة القرابة، والتحقق من حالات التسمم بالمعادن، كما يعطي فكرة عن التغيرات التي تحدث في الجسم نتيجة التعرض لمواد كيميائية معينة أو استهلاك أنواع من المخدرات خلال الأشهر الماضية، ولكنه لا يقدم معلومات حول التغيرات الحديثة التي وقعت في الأيام الأخيرة بسبب بطء نمو الشعر.
المبدأ العلميّ لتحليل الشعر
تستطيع الشعرة الاحتفاظ بسجل طويل الأمد لما تعرض له الجسم من أدوية ومعادن وأخرى طوال فترة حياتها، والتي تقدر بخمس إلى ست سنوات. يعتمد التحليل على فحص الشعر نفسه والمواد الدهنية المحيطة به، بالإضافة إلى الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (بالإنجليزية: Deoxyribonucleic Acid). ويستند التحليل إلى مبدأ بسيط، وهو أن الشعرة أثناء نموها داخل جُريب الشعر تمتص العديد من المواد الموجودة في مجرى الدم، حيث تستمر هذه العملية بينما تنمو الشعرة وتُسجل مكونات الدم خلال فترة حياتها. توجد هذه المواد أيضًا في الطبقة الدهنية المحيطة بالشعرة والتي يتم إفرازها من الغدد الدهنية (بالإنجليزية: Sebaceous gland).
طريقة عمل تحليل الشعر
توجد مجموعة من التعليمات اللازمة لتحضير عينة الشعر للفحص. بصورة عامة، ينبغي أن يكون الشعر نظيفاً وخالياً من منتجات العناية بالشعر، ثم يتم أخذ العينة من منطقة قريبة من الجلد حيث تكون هذه المنطقة حديثة النمو، مما يعكس معلومات أكثر حداثة عن الجسم. عادةً ما تُجمع العينة من أسفل فروة الرأس أو من منطقة العانة (بالإنجليزية: Pubic area)، ثم تُرسل العينة إلى المختبر للمعالجة الكيميائية والفحص.
وفيما يلي مجموعة من التقنيات المستخدمة في تحليل الشعر:
- تقنية التريكوغرام: (بالإنجليزية: Trichogram) تعتمد هذه التقنية على الفحص الفيزيائي بالشكل الملاحظ (بالإنجليزية: macroscopic)، باستخدام المجهر (بالإنجليزية: microscopic) لفحص الشعر وفروة الرأس، وتستخدم حاليًا لتحديد مرحلة حياة الشعرة وأسباب تساقطها.
- تقنية استشراب الغاز/مطيافية الكتلة: (بالإنجليزية: Gas chromatography/Mass spectrometry) التي تُستخدم للفحص الكيميائي للشعر بهدف التعرف على مكونات الحمض النووي والمعادن والأدوية والمواد السامة، حتى وإن كانت بتركيزات منصب قليلة.
استخدامات تحليل الشعر
إليك بعض الاستخدامات المحتملة لتحليل الشعر:
فحص المعادن والعقاقير والسّموم
يمكن استخدام تحليل الشعر للكشف عن حالات التسمم بالمعادن الثقيلة، مثل الرصاص (بالإنجليزية: Lead) والزئبق (بالإنجليزية: Mercury) والزُرنيخ (بالإنجليزية: Arsenic). يُعتبر تحليل الشعر الفحص الطبي الأمثل للتسمم المزمن بالزرنيخ (بالإنجليزية: Chronic arsenic poisoning)، والذي غالبًا ما يحدث نتيجة استنشاق المبيدات الحشرية من قبل الزراعيين. بإمكان تحليل الشعر أيضًا التأكيد على وجود المخدرات مثل الكوكايين (بالإنجليزية: Cocaine) أو الحشيش (بالإنجليزية: Marijuana) أو الكحول أو الأمفيتامينات (amphetamines)، ويجب الملاحظة أن نتائج هذا الفحص تستغرق حوالي ثلاثة أسابيع للظهور، وقد تمَ اعتماد تلك النتائج في المحاكم عند الحاجة.
على الرغم من الفوائد التي يقدمها تحليل الشعر، هناك بعض العوامل التي قد تقيد استخدامه، ومن بينها:
- العوامل الخارجية، مثل البيئة المحيطة، قد تؤدي إلى نتائج إيجابية خاطئة، كما يمكن أن يحدث في حالة وجود الشخص بالقرب من مدخني الحشيش.
- غياب الطريقة القياسية لإجراء الفحص، مما قد يؤدي لظهور نتائج مختلفة بين المختبرات، وأحياناً في المختبر نفسه عند تحليل خصلات شعر متعددة من نفس العينة.
- عدم وجود معايير واضحة لربط كمية العقاقير أو الكحول المستهلكة مع تلك التي قد تظهر في الشعر.
- استخدام بعض الأدوية مثل حبوب منع الحمل (بالإنجليزية: Birth control pills) قد يؤثر على تركيز المعادن في الشعر.
- التعرض لمستحضرات الشعر، مثل الشامبو وألوان الشعر، قد يؤدي إلى تقليل بعض المعادن أو ترسيب معادن أخرى.
- عوامل أخرى، مثل العمر والجنس ولون الشعر والعرق، ومعدل نمو الشعر، يمكن أن تؤثر على تركيز العناصر في الشعر.
فحص الحمض النووي في الطب الشرعي
يستلزم هذا الفحص نتف الشعر أو اقتلاعه من موقعه بدلاً من قصه، مما قد يؤلم قليلاً، للحفاظ على جذر الشعرة لاستخدامه في تحليل الحمض النووي. يتم استخدام بصمة الحمض النووي كدليل حاسم في الجرائم، وتُستخدم أيضًا في الطب الشرعي للتحقق مما إذا كان الشخص يعاني من الإدمان على الكحول أو المخدرات خلال الفترة الماضية، وذلك استنادًا إلى طول الشعرة التي تم فحصها.
تقييم الحالة الصحية للجسم وتشخيص الأمراض
على الرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى إمكانية تحليل الشعر لتحديد مستوى هرمون الكورتيزول (بالإنجليزية: Cortisol) وربط ارتفاعه بمخاطر بعض الأمراض مثل أمراض القلب (بالإنجليزية: Heart Diseases) والسكري (بالإنجليزية: Diabetes) والسكتة الدماغية (بالإنجليزية: Stroke)، إلا أن تحليل الشعر لهكذا أغراض يعتبر غير موثوق وقد أثار العديد من الجدل. وتجدر الإشارة إلى أن معظم شركات التأمين لا تغطي تكلفة هذا النوع من التحليل. كما يتبين أن ادعاء بعض المختبرات والمواقع الطبية بقدرتها على تشخيص الأمراض وتقييم الحالة الصحية للإنسان والاحتياجات الغذائية يعتبر ادعاءً غير موثوق.
الأسباب التي تحد من الثقة في استخدام تحليل الشعر لتشخيص الأمراض تشمل:
- إشارة الجمعيات الطبية إلى أن الحالة الصحية الداخلية للجسم لا تتوافق دائمًا مع التركيبة الكيميائية والفيزيائية للشعر.
- احتمالية وقوع خطأ، حيث لا تتحقق المختبرات من تطابق التقنيات المستخدمة مع المعايير القياسية المعتمدة (بالإنجليزية: Standard reference).
- عدم وجود قياسات معيارية محددة للمعادن في الشعر.
- صعوبة استخدام تحليل الشعر لتشخيص الحالة المرضية بسبب بطء نمو الشعر، الذي يزداد بنحو 1 سم شهريًا، مما يعني أن الشعرة الأقرب لفروة الرأس سيكون عمرها عدة أسابيع، وبالتالي لا تعكس الوضع الصحي الفعلي في تلك اللحظة.