يعتبر تطور العلم انعكاسًا لتقدم البشرية بمرور الزمن، حيث يشهد انتقالًا من نظريات بسيطه إلى أخرى أكثر تميزًا من خلال أساليب رصد محسّنة.
من خلال استخدام أدوات دقيقة وعمليات تفكير منطقية متقدمة، نتوصل إلى قوانين أو نظريات علمية قائمة على المنطق والأدلة المتاحة.
البحث العلمي
- نظرًا لأن النظريات والملاحظات تعدان عنصرين أساسيين في العلم، فإن البحث العلمي يعمل على مستويين: النظري والتجريبي.
- يهتم المستوى النظري بتطوير المفاهيم المجردة حول الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية، واستكشاف العلاقات بينها.
- في حين يركز المستوى التجريبي على اختبار هذه المفاهيم والنظريات، بغرض تقييم مدى انسجامها مع الملاحظات الواقعية.
- تسعى هذه العمليات في النهاية إلى بناء نظريات أكثر دقة مع مرور الزمن، بحيث تتماشى بشكل أفضل مع الواقع المرصود.
- بمعنى أن تتلائم مع المعطيات الحقيقية التي نراها.
- ومع نضوج العلم، يشمل البحث العلمي التنقل المستمر بين النظريات والملاحظات، حيث أنه لا يمكن اعتماد البحث على الملاحظات فقط للوصول إلى استنتاجات.
- فالتحليل المبني على تجاهل النظرية لا يعتد به كبحث علمي موثوق.
اهتمام وتدريب الباحث
- بناءً على تدريب الباحث واهتمامه، يمكن أن يتخذ البحث العلمي شكلين: استقرائي أو استنتاجي. في البحث الاستقرائي، يسعى الباحث إلى استنتاج المفاهيم والنظريات من البيانات الملاحظة.
- أما في البحث الاستنتاجي، يكون هدف الباحث هو اختبار المفاهيم المعروفة نظريًا باستخدام بيانات تجريبية جديدة.
- لذا، يُطلق على البحث الاستقرائي لقب “بحث بناء النظرية”، بينما يُسمى البحث الاستنتاجي “بحث اختبار النظرية”.
- تظهر هنا أهمية اختبار النظرية، حيث لا يقتصر الأمر فقط على اختبارها، بل يشمل أيضًا تحسينها وتوسيعها، مما يبرز الطبيعة التكاملية بين البحث الاستقرائي والاستنتاجي.
- لذا يمكننا رؤية كيف يشكل البحث الاستقرائي والاستنتاجي عمليتين متكاملتين تتجدد بين النظرية والملاحظات.
- يتطلب إجراء بحث استقرائي أو استنتاجي معرفة دقيقة بمكونات البحث النظرية والبيانات المتاحة.
- الباحث المثالي هو الشخص القادر على إدارة دورة البحث كاملة، بما في ذلك البحث الاستقرائي والاستنتاجي.
- من المهم أن ندرك أن بناء النظرية (البحث الاستقرائي) واختبارها (البحث الاستنتاجي) هما عنصران حيويان لتقدم العلوم.
- فلن تكون النظريات الرائعة ذات قيمة إن لم تتوافق مع الواقع، كما أن وجود بيانات غير مفيدة لا يسهم في تحقيق تطور علمي.
- فالمساهمة في بناء نظريات ذات معنى تتطلب تجاوز مجرد عرض هاتين العمليتين كعلاقة دائرية.
- يساهم التعاقب بين النظرية والبيانات في تحقيق تفسيرات أفضل للظواهر المدروسة وتطوير نظريات أكثر دقة.
- على الرغم من أهمية البحث الاستقرائي والاستنتاجي في تقدم العلم، إلا أن البحث الاستقرائي (بناء النظرية) غالبًا ما يكون ذا قيمة أكبر عند قلة النظريات المتاحة، في حين أن البحث الاستنتاجي (اختبار النظرية) يصبح أكثر إنتاجية عند وجود العديد من النظريات المتنافسة حول نفس الظاهرة.
- يظل اهتمام الباحثين منصبًا على تحديد النظرية الأكثر ملاءمة وتحت أي ظروف.
بناء واختبار النظرية
- تعتبر عمليات بناء النظرية واختبارها تحديًا خاصًا في العلوم الاجتماعية، بسبب الطبيعة غير الدقيقة للمفاهيم النظرية وافتقار أدوات القياس الكافية.
- كما توجد العديد من العوامل غير المحددة التي قد تؤثر على الظواهر المدروسة.
- حيث يصعب غالبًا دحض النظريات التي لا تقف على قيد الحياة.
- صمدت نظرية الشيوعية لكارل ماركس كأداة فعالة للإنتاج الاقتصادي لعقود، قبل أن تفقد مصداقيتها فيما بعد.
- مع تصنيفها بأنها أقل فاعلية من الرأسمالية في تعزيز النمو الاقتصادي ورفع مستوى الرفاهية الاجتماعية.
- حيث تحولت اقتصادات الشيوعية السابقة، مثل الاتحاد السوفيتي والصين، نحو نماذج اقتصادية رأسمالية ترتكز على المؤسسات الخاصة التي تعزز الأرباح.
- كما أظهر الانهيار الأخير في قطاع الرهن العقاري والصناعات المالية في الولايات المتحدة أن للرأسمالية عيوبًا، حيث لم تكن كما كان يُفترض سابقًا من حيث تعزيز النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية.
المهارات النظرية والمنهجية
- على عكس النظريات في العلوم الطبيعية، فإن نظريات العلوم الاجتماعية غالبًا ما تكون غير مثالية.
- مما يفتح الأبواب للباحثين لتحسين تلك النظريات أو بناء نظريات بديلة خاصة بهم.
- يتطلب البحث العلمي مجموعتين من المهارات: النظرية والمنهجية، بحيث يعمل كل منهما على المستويين النظري والتجريبي على التوالي.
- تعتبر المهارات المنهجية (المعرفة العملية) معايير نسبية وثابتة عبر التخصصات، ويمكن اكتسابها بسهولة من خلال برامج الدراسات العليا.
- بينما تعتبر المهارات النظرية (فهم المفاهيم) صعبة الإتقان، وتتطلب سنوات من الملاحظة والتفكير.
- هذه المهارات غالبًا ما تكون ضمنية، ويكتسبها الفرد عبر الخبرة العملية وليس من خلال التعليم فحسب.
- على مر التاريخ، يعتبر أعظم العلماء مثل جاليليو ونيوتن وآينشتاين ونيلز بور وآدم سميث وتشارلز داروين وهربرت سيمون من كبار المنظرين.
- وقد تم تقديرهم بفضل النظريات التي افترضوها والتي غيرت مسار العلم، بينما تتطلب المهارات المنهجية لباحث ذو معتاد.
- بينما توفر المهارات النظرية الزوامل اللازمة لباحث غير عادي.
المنهج العلمي
- تم وصف العلم في الأقسام السابقة كمعرفة تُكتسب بطرق علمية، ولكن ماذا تعني الطريقة العلمية تحديدًا؟
- تشير الطريقة العلمية إلى مجموعة من التقنيات الموحدة لبناء المعرفة العلمية، مثل: كيفية إجراء ملاحظات دقيقة.
- وكيفية تفسير النتائج وماهية طرق تعميم تلك النتائج.
- تسمح الطريقة العلمية للباحثين باختبار النظريات والأدلة السابقة بشكل موضوعي ومستقل.
- كما تتطلب أن تخضع تلك النظريات للنقاش المفتوح أو التعديل أو التحسينات اللازمة، مما يستوجب أن تمتلك الطريقة العلمية أربع ميزات رئيسية.
قابلية التكرار
يجب أن يكون بإمكان الآخرين إعادة إجراء دراسة علمية بشكل مستقل، وتحقيق نتائج مشابهة أو مطابقة.
الدقة
من الضروري تعريف المفاهيم النظرية التي يصعب قياسها بشكل دقيق.
يجب أن تكون تلك التعريفات قابلة للاستخدام من قبل الآخرين لقياس تلك المفاهيم واختبار النظرية.
القابلية للتزوير
- يجب أن تُطرح النظرية بصورة يمكن دحضها، حيث إن النظريات التي لا تُختبر أو لا يمكن تزويرها لا تُعتبر نظريات علمية.
- أي معرفة من هذا القبيل ليست معرفة علمية، ولا يمكن اختبار نظرية معينة بعبارات غير دقيقة.
- أو تفاصيل يصعب قياس مفاهيمها بدقة.
- وبالتالي، فإن هذه الأفكار ليست علمية، مع اعتبار أفكار سيغموند فرويد حول التحليل النفسي ضمن هذه الفئة.
البخل
- عندما تكون هناك تفسيرات متعددة لظاهرة معينة، يجب على العلماء دائمًا قبول أبسط تفسير أو الأكثر منطقية.
يُعرف هذا المفهوم باسم “البخل”، حيث يمنع العلماء من الانغماس في نظريات معقدة أو غريبة تتضمن عددًا لا يحصى من المفاهيم والعلاقات.- مثل هذه النظريات قد تقدم القليل من كل شيء، ولكنها لا تقدم شيئًا بشكل خاص.
- أي فرع من فروع البحث لا يسمح للمنهج العلمي باختبار قواعده أو نظرياته فلن يُعتبر علمًا.
- على سبيل المثال، علم اللاهوت (دراسة الدين) لا يعتبر علمًا، لأن الأفكار اللاهوتية (مثل وجود الله) لا يمكن اختبارها بواسطة مراقبين مستقلين.
- باستخدام طريقة قابلة للتكرار ودقيقة وقابلة للتزوير ومبدأ البخل.
- على سبيل المثال، علم اللاهوت (دراسة الدين) لا يعتبر علمًا، لأن الأفكار اللاهوتية (مثل وجود الله) لا يمكن اختبارها بواسطة مراقبين مستقلين.
- بالمثل، الفنون والموسيقى والأدب والعلوم الإنسانية والقانون لا تُعتبر علمًا أيضًا.
- رغم أنها جهود إبداعية تستحق الاهتمام في حد ذاتها.