تطبيق القانون في إطار الزمن

تطبيق القانون من حيث الزمان

يعني تطبيق القانون من حيث الزمان أنه عند بدء سريان قاعدة قانونية جديدة لتحل محل قاعدة قانونية سابقة، تصبح أحكام القانون الجديد سارية اعتبارًا من تاريخ نفاذها، بينما يتوقف تطبيق القانون القديم اعتبارًا من لحظة إلغائه. وبالتالي، فإن كل من القانون القديم والقانون الجديد يظهران بشكل مستقل عنهما، حيث نشأ كل منهما في إطار مراكز ووقائع قانونية محددة. وقد يؤدي تطبيقهما إلى حدوث تنازع بين القانونين. للتوضيح، نورد الأمثلة التالية:

  • إذا قام شخص بكتابة وصية تتضمن نصف تركته في الوقت الذي كان القانون يسمح له بذلك، ثم صدر قانون جديد قبل وفاته ينص على أن الوصية لا يجب أن تتجاوز ثلث التركة، سوف ينشأ تساؤل بعد وفاته حول مدى حق الورثة في تنفيذ الوصية ضمن حدود ثلث التركة. هل يحق للمُوصى له المطالبة بنصف التركة؟
  • إذا تسلم شخص عقارًا أو مالًا مملوكًا للغير لمدة عشر سنوات بنية التملك، وكان القانون يسمح له بذلك بعد 15 سنة، ثم صدر قانون جديد يمدد الفترة إلى 20 سنة، فالسؤال هنا هو: هل يُطبق القانون القديم (15 سنة) أم القانون الجديد (20 سنة)؟
  • إذا تزوج شخص تحت قانون يسمح له بتطليق زوجته بإرادته المنفردة، ثم صدر قانون جديد قبل وقوع الطلاق يمنع الطلاق إلا بحكم شرعي من القاضي، فهل يحق للزوج تطليق زوجته بإرادته المنفردة أم يجب أن يتم الطلاق بحكم القاضي؟

مبادئ تطبيق القانون من حيث الزمان

كان التنازع الناجم عن إلغاء القانون القديم وتطبيق القانون الجديد دافعًا للفقهاء لإيجاد حلول تساعد على تسوية هذا النزاع. يتطلب حل هذه الإشكاليات النظر في عدة جوانب، من أهمها ضرورة استقرار العلاقات القانونية بين الأفراد، حماية المصلحة العامة، واحترام الحقوق المكتسبة. ترتكز هذه الحلول على النظرية الحديثة التي تميز بين مبدأين أساسيين من مبادئ تطبيق القانون من حيث الزمان، وهما:

مبدأ عدم رجعية القوانين

يشير مبدأ عدم رجعية القوانين إلى أن القانون الجديد لا يسري بأحكامه على وقائع حدثت في الماضي، سواء كانت تتعلق بقوانين عامة أو خاصة. بالتالي، فإن القانون الجديد يسري فقط على الأحداث التي تحدث بعد نفاذه، وليس له أثر رجعي، حيث يُعتبر نفاذه نقطة الفصل بين انتهاء سريان القانون القديم وبداية سريان القانون الجديد.

أهمية المبدأ ومبرراته

يعد مبدأ عدم رجعية القوانين ذا أهمية قانونية كبيرة، وقد تم النص عليه في معظم التشريعات العالمية. من بين الاعتبارات والمبررات التي أدت إلى ضرورة وجود هذا النص ما يلي:

  • اعتبارات قائمة على العدالة: تطبيق القانون الجديد على ما حدث قبل نفاذه يعد نوعًا من الظلم، ولا ينبغي إلزام الأفراد بالخضوع لأحكامه قبل صدوره.
  • اعتبارات منطقية: يفرض المنطق أن القانون يُعتبر تكليفًا للمجتمع، ولا يجوز أن يُلزم الأفراد بأداء أعمال في الماضي قبل صدوره.
  • اعتبارات عملية: تطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي إلى انعدام الثقة في القانون، مما يجعله أداة مدمرة عوضًا عن كونه وسيلة لتنظيم حياة الأفراد وبناء المجتمع.

الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ

لا يُطبق مبدأ عدم رجعية القوانين بشكل مطلق، حيث توجد حالتان رئيسيتان يُستثنى فيهما تطبيق هذا المبدأ:

  • في حالة القوانين غير الجزائية: يجوز للمشرع تطبيق القوانين غير الجزائية بأثر رجعي، وفقًا لمقتضيات المصلحة العامة، بشرط الحصول على موافقة أغلبية معينة.
  • في حالة القوانين الأجدر للمُتهم: إذا صدر قانون جديد ينص على مزايا للمُتهم بعد وقوع الفعل وقبل صدور حكم نهائي في القضية، فإن هذا القانون هو الذي يُطبق دون سواه.

مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد

يعني هذا المبدأ أن القانون الجديد ينطبق على آثار المراكز القانونية والوقائع التي تحدث بعد نفاذه. تكمن أهمية هذا المبدأ في منع تناقض القوانين السارية على المراكز القانونية ذات الطبيعة المتماثلة، بما يضمن وحدة القانون الذي يحكم هذه المراكز. يُعتبر مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد مهمًا أيضًا للأحكام القانونية الجارية، إذ يتم تطبيق القانون الجديد على عدة قضايا حدثت تحت مظلته، حتى وإن صدرت الأحكام فيها في ظل قانون قديم، مثل حالات الطلاق والزواج.

لا يتم تطبيق مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد بشكل مطلق، حيث يمكن استثناؤه في حالتين رئيسيتين، هما:

  • يمكن تطبيق القانون القديم على القضايا المتعلقة بآثار المراكز العقدية التي نشأت بعد نفاذ القانون الجديد.
  • تعتبر المراكز العقدية التي تشكلت في ظل القانون القديم ولا تزال قائمة، تُبقي على آثارها، بحيث إذا صدر قانون جديد يتضمن خفض نسبة الفوائد الاتفاقية، فإن ذلك لن يؤثر على العقود التي أُبرمت في ظل القانون القديم.
Scroll to Top