تاريخ مدينة تلمسان وأهم أحداثها عبر العصور

تلمسان

تُعتبر مدينة تلمسان، المعروفة بلؤلؤة المغرب الكبير، واحدة من أهم المدن الجزائرية التي دعمت تاريخ العديد من الحضارات والممالك على مر العصور. تشهد اليوم آثار تلك الحضارات على إنجازاتهم، مما منح المدينة مكانة رائدة بين الوجهات السياحية العالمية بفضل غناها بالتراث الثقافي والطبيعي، مثل مغارات عين فزة.

الموقع

تقع تلمسان في الجزء الشمالي الغربي للجزائر، حيث يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب ولاية النعامة وولاية عين تموشنت، بينما تحدها ولاية سيدي بلعباس من الشرق، ويحدها من الغرب المغرب الأقصى.

فمن العواطف الإنسانية أن يبالغ الفرد في حب مسقط رأسه، مما يجعله ينقل لوحات مثالية عن بلده، حتى وإن كانت بعض هذه الروايات لا تتجاوز الأساطير. وتأخذنا أقوال ابن خلدون في كتابه “الخبر عن تلمسان” إلى ملاحظة موقفه من ادعاءات سكان تلمسان بأنهم شهدوا زيارة الخضر وموسى عليهما السلام، إذ اعتبرها حكايات خيالية نتجت عن حبهم العميق للمدينة.

تلمسان قبل التاريخ

تشير الاكتشافات الأثرية القريبة من تلمسان إلى أن الإنسان في العصر الحجري قد سكن هذه المناطق، حيث تم العثور على أكثر من مئة كهف تتواجد في منطقة قلعة الماردجدية، وتدعم هذه الاستكشافات وجود أدوات تشير إلى وجود إنسان العصر الحجري المتوسط.

العهد الروماني – القرطاجي

تم تأسيس المركز العسكري الأول في عام 201 للميلاد على صخرة تطل على سهل يُعرف بشتوان، والذي سُمّي أيضاً ببوماريا. كانت هذه النقطة بداية ولادة مدينة تلمسان، حيث استقر عدد من البشر في الجوار وأنشأوا منازلهم على أطراف قلعة بوماريا. وتم بناء سور دائري حول المدينة بأربعة أبواب، بالإضافة إلى سوق ومخازن للأسلحة، لتمثل المدينة خلال هذه الفترة مركزاً للأبرشية الكاثوليكية، مع وجود واضح لمزيج من الأديان بما في ذلك اليهودية والوثنية.

إبان الدولة النوميدية

تشكّلت في هذه الفترة المملكة الأمازيغية في الجزء الشمالي من أفريقيا حيث سيطر المازيسوليون على المنطقة، وشاركوا في حروب عديدة مثل الحرب البونية الثانية، وتحالفوا مع روما من أجل تعزيز نفوذهم في شمال أفريقيا.

العهدان الروماني والفتح الإسلامي

تظل هذه الفترة غامضة تاريخيًا بالنسبة للمغرب العربي، وفقًا للمؤرخ فيكلكس إميل غوتييه، حيث شهدت الفوضى والانقسامات السياسية وبرزت إمارات أمازيغية محلية تحت إدارة سلاطين محليين.

العهد الإسلامي

كان الأمازيغ من مغراوة هم الأوائل الذين تفاوضوا مع القائد عثمان بن عفان خلال الفتوحات الإسلامية. وقد ساعدوا القائد عقبة بن نافع في معظم الفتوحات. بعد سقوط الخلافة الراشدية، تم إرسال عقبة بن نافع لفتح شمال أفريقيا، فتولى بعده يزيد بن معاوية أمر الولايات.

برز دور الأمازيغ أثناء تولي كسيلة الرئاسة، لكنها انقلبت الأمور ضده بعد أن أسلم ثم ارتد أثناء حكم أبي مهاجر دينار. ومع الفتح الإسلامي، تأسست دولة أبي قرة اليفرني في إقليم تلمسان.

بنو يفرن

قبل وصول الأمويين، كانت منطقة تلمسان تتبع قبيلة زناتة التي تضم مغراوة وبني يفرن. تولّى أبو قرة زعامة القبيلة عام 767 ميلادية، حيث وحد جميع قبائل المغرب تحت قيادته وثار ضد الأمويين بسبب الجشع والضرائب الثقيلة، وكان ذلك في عهد هشام بن عبد الملك. أسس مدينة أغادير عام 790 ميلادية كعاصمة للدولة الصفرية الخارجية.

الدولة الإدريسية

تأسست هذه الدولة على يد إدريس بن عبد الله بن الحسن، أحد القادة العلويين، الذي قاد حربًا ضد العباسيين في الحجاز. وصل إدريس إلى تلمسان عام 786 ميلادية، ليتم بعدها مبايعته بالخلافة عام 788 ميلادية. انضمت عدة قبائل لدعمه، منها زناتة وزواغة ولماية وزواوة.

وفي عام 789 ميلادية، استسلم محمد بن خرز، ملك أغدير، لإدريس دون قتال. قام إدريس ببناء أول المساجد في المدينة، ثم قتل أثناء توجهه إلى فاس بينما عُين أخوه سليمان حاكمًا على أغادير.

استمر حكم الأدارسة حتى القرن العاشر، حيث قام الملك إدريس الثاني بإجراء إصلاحات في المسجد عام 814 ميلادية، قبل أن يسلم الحكم لمحمد بن سليمان بن عبد الله.

الدولة الفاطمية

عندما ضعفت الأسرة الإدريسية، سيطرت المغراوة وبني يفرن على أغادير وكافحت للسيطرة على المنطقة ضد الفاطميين. نقل عبد الرحمن الناصر عام 973 ميلادية العاصمة إلى فاس، لكن الأمور تغيرت بعد أن قُتل يعلى بن محمد من قبل الفاطميين.

في عام 973 ميلادية، تم نفي ما يقارب عشرة آلاف شخص من تلمسان إلى الجنوب، مما دفعهم لبناء مدينة جديدة تحمل اسم تلمسان، قبل أن يظهر المرابطون مع قبيلة لمتونة.

الدولة المرابطية

بدأ حكم المرابطين في عام 1069 ميلادية بقيادة يوسف بن تاشفين، الذي فرض حصارًا على أغادير في عام 1081 ميلادية. وقام بتأسيس مدينة تقرارت وعندما سقطت أغادير في يدهم، دام حكمهم حتى سيطروا على الأندلس.

الدولة الموحدية

استفاد المهدي بن تومرت من ضعف دولة المرابطين ونجح في تدعيم سلطته، ثم خلفه عبد المؤمن الذي واصل معاركه العسكرية في الأندلس. دخل عبد المؤمن تلمسان عام 1145 ميلادية وأسسها كعاصمة شرقية لمملكته.

خلال حكم الموحدين، تم بناء العديد من المنشآت ومن بينها القصور والأسواق مما زاد من نشاط الحركة التجارية.

دولة بني عبد الواد

تُصنف دولة بني عبد الواد كإحدى القبائل المنضوية تحت زناتة، حيث تولى جابر بن يوسف حكم تلمسان، لكن الأهالي ثاروا عليه وتم استبداله بزغوان بن زيان بن ثابت. وبعد سلسلة من الصراعات تولى يغمر اسن بن زيان الحكم، مستقرًا في تلمسان.

العهد العثماني

دخل الأتراك المنطقة استجابةً لطلب الجزائرين لمساعدتهم ضد الاحتلال الإسباني. تمكن العثمانيون من السيطرة على جيجل والجزائر وتوجهوا نحو تلمسان، مما عزز نفوذهم في البلاد.

الاستعمار الفرنسي

عند دخول الفرنسيين إلى تلمسان، طلب بعض الأعيان الحماية من السلطان المغربي بين عامي 1834 و1836. ومع بداية المقاومة في نفس العام، انتهت بحلول عام 1837 عندما تم التوقيع على معاهدة التافنة بين الأمير عبد القادر والاحتلال الفرنسي.

استطاع الفرنسيون السيطرة على المدينة وتحويل القصر الملكي إلى ثكنة عسكرية. وعملوا على تطوير المنطقة وترميم معالمها من خلال بناء السكك الحديدية، بينما دمروا السوق القيصرية وأقاموا مكانها سوقًا مغطاة.

Scroll to Top