ما هي مخارج الحروف؟
يمكن تعريف المخرج وفقًا للمعاني اللغوية كما هو موضح في قواميس اللغة العربية، وعلى الصعيد الاصطلاحي كما عرّفها علماء فن تجويد القرآن الكريم كالتالي:
- المخرج في اللغة
مخارج هو جمع لكلمة مخرج، وتعني المكان أو نقطة خروج شيء ما.
- المخرج من منظور اصطلاحي
المخرج هو المكان الذي يخرج منه الحرف من الفم، حيث يتوقف صوت النطق عند نقطة معينة، مما يميز هذا الحرف عن غيره.
دور مخارج الحروف في اللغة العربية
تتميز اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، بكون مخارج حروفها موزعة على نطاق واسع من أعضاء النطق، بدءًا من منطقة الجوف إلى الشفتين. حيث يتمكن الناطقون بالعربية من التفريق بين الحروف مثل (الضاد والظاء) و(الدال والتاء) و(الهاء والحاء) و(القاف والكاف)، مستندين إلى صفات النطق المميزة وهيئات الأعضاء أثناء النطق، حتى مع تشابه بعض هذه الحروف في المخرج.
وفي هذا السياق، يقول الإمام أبو عمرو الداني -رحمه الله-: “اعلم أن أساس التجويد ومعرفة حقيقته هو فهم مخارج الحروف وصفاتها التي يتم بواسطتها تمييز الحروف عن بعضها”. وهذا يعكس أهمية ما ذكره ابن الجزري -رحمه الله- في منظومته الشهيرة:
وَالأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لازِمُ
مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرَآنَ آثِمُ
لأَنَّهُ بِهِ الإِلَهُ أَنْزَلَ
وَهَكَذَا مِنْهُ إِلَيْنَا وَصَلَ
وَهُوَ أَيْضًا حِلَْيةُ التِّلاَوَةِ
وَزِينَةُ الأَدَاءِ وَالْقِرَاءَةِ
وَهُوَ إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حَقَّهَا
مِنْ صِفَةٍ لَهَا وَمُستَحَقَّهَا
وَرَدُّ كُلِّ وَاحِدٍ لأَصْلِهِ
وَاللَّفْظُ فِي نَظِيْرِهِ كَمِثْلهِ
مُكَمِّلاً مِنْ غَيْرِ مَا تَكَلُّفِ
بِاللُّطْفِ فِي النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّفِ
وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ
إلَّا رِيَاضَةٌ مَرْءِ بِفَوْكِهِ
كيفية تحديد مخارج الحروف
حدد علماء التجويد طريقة بسيطة ومعروفة لمعرفة مخرج أي حرف من حروف اللغة العربية، حيث أشاروا إلى أنه إذا أراد الفرد التعرف على مخرج أي حرف، عليه إضافة همزة الوصل على الحرف ثم نطقه مسكنًا والاستماع إليه، فعند انقطاع صوت النطق يكون ذلك هو المخرج المناسب للحرف.
عدد مخارج الحروف
تشابهت آراء العلماء حول عدد المخارج العامة والفرعية للحروف، ونتج عن ذلك بعض التباين في أحيان أخرى بسبب تجاهل البعض لمخرج الجوف وحروفه المدية أو دمج مخارج (اللام والنون والراء) في مخرج واحد، ويمكن توضيح ذلك كما يلي:
- الرأي الأول: خمسة مخارج عامة
تشمل سبعة عشر مخرجًا فرعيًا، بحسب ما ذكره الخليل بن أحمد الفراهيدي، مكي بن أبي طالب، وابن الجزري في منظومته المعروفة، كما ذهب إليه جمهور النحويين. حيث قال ابن الجزري -رحمه الله-:
مَخَارِجُ الحُرُوفِ سَبْعَةَ عَشَرْ
عَلَى الَّذِي يَخْتَارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ
- الرأي الثاني: أربعة مخارج عامة
تتضمن ستة عشر مخرجًا فرعيًا حسبما أشار إلى ذلك سيبويه وأبو عمرو الداني والشاطبي، حيث تم استبعاد مخرج الجوف وتوزيع حروفه (الألف والواو والياء الساكنات) حسب مخارجها المتحركة.
- الرأي الثالث: أربعة مخارج عامة
تتضمن أربعة عشر مخرجًا فرعيًا، وفق مذهب الفراء والجَرمي وقُطرب وابن كيسان، حيث تم إلغاء مخرج الجوف وتوزيع حروفه كما ذُكر في الرأي السابق، مع دمج (اللام والنون والراء) في مخرجٍ واحدٍ.
المخارج العامة للحروف
تتواجد للحروف مخارج عامة سنعرضها في النقاط التالية:
- المخرج العام
هو مخرج يضم مخرجًا فرعيًا خاصًا واحدًا أو أكثر، ويندرج تحت ذلك خمسة مخارج: الجوف، الحلق، اللسان، الشفتين، والخيشوم.
- المخرج الخاص
هو مخرج فردي فقط، رغم أن عدداً من الحروف يمكن أن تخرج منه، مثل مخرج حافة اللسان مع الثنايا العليا عند نطق حرف الضاد، أو قد تخرج منه حروف أو اثنان أو ثلاثة كحد أقصى.
وإليكم أقسام المخارج العامة الخمسة:
الجوف
يمثل مخرجًا عامًا مقدرًا لأنه لا يعتمد على جزء معيّن من الحلق أو اللسان، وفيما يلي توضيح لأهم ما يتعلق به:
- تعريف الجوف
يعني باللغة: الخلاء، وفي الاصطلاح: هو الخلاء المعروف في الفم والحلق.
- حروف الجوف
تتكون من الحروف المدية والجوفية والهوائية، وهي ثلاثة: الألف الساكنة المفتوح ما قبلها، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها. يمكن تذكرها بعبارة (نُوحِيهَا) أو (أُوذِينَا). وقد سمحت هذه الحروف بالزيادة على المد الطبيعي في مواضع معينة، حيث لا يوجد لها حد واضح ينتهي عنده صوت نطقها.
الحلق
يمثل الفراغ بين الحنجرة وأقصى اللسان، ويعتبر مخرجًا عامًا لثلاث مخارج خاصة لستة حروف كما هو موضح أدناه:
- أقصى الحلق
وهو الجهة المقابلة للصدر، وتخرج منه حروف (الهمزة والهاء).
- وسط الحلق
وتخرج منه حروف (العين والحاء).
- أدنى الحلق
وهو أقرب نقطة نحو الفم، وتخرج منه حروف (الغين والخاء).
اللسان
يعتبر عضو النطق الرئيسي الذي يلعب دورًا فاعلًا في إخراج معظم الحروف. كما يرتبط بالنطق والحوار، وهو مخرج عام لعشر مخارج خاصة فرعية، لثمانية عشر حرفًا، كما يلي:
- أقصى اللسان مع ما يقابله من الحنك العلوي
يستخرج منه حرف (القاف).
- أقصى اللسان مع ما يقابله من الحنك العلوي في موضع أدنى من حرف القاف
يخرج منه (حرف الكاف).
- شجر اللسان
أي، وسط اللسان ومقر تفرعه مع ما يقابله من الحنك العلوي، خاصة لحروف الشجرية، التي تشمل: (الشين والجيم والياء المتحركة غير المديّة).
- حافة اللسان وما يقابلها من الأضراس العليا
ويخرج عند نطق (حرف الضاد)، إذ يُنطق أحد طرفي اللسان في اليسار أو اليمين، لكنه أصعب من نطق الحرف من حافة واحدة.
- أدنى حافتي اللسان مع ما يقابلها من لثة الأسنان العليا
يمثل مخرج (حرف اللام).
وتُكمل العشرة مع خمسة مخارج فرعية تتعلق بطرف اللسان وهي:
- طرف اللسان مع ما يقابله من لثة الأسنان العليا
يمثل مخرج (حرف النون).
- طرف اللسان، مما يميل قليلاً إلى ظهر اللسان، مع ما يقابله من لثة الثنايا العليا
يمثل مخرج (حرف الراء).
- طرف اللسان مع ما بين الثنايا السفلى والعليا، وللسفلى أقرب
يمثل مخرج الحروف الأسليَّة، وهي: (السين والصاد والزاي).
- ظهر طرف اللسان مع ما يحاذيه من أصول الثنايا العليا
يمثل مخرج الحروف النطعيَّة، مثل: (التاء والطاء والدال).
- ظهر طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا
ويمثل مخرج الحروف اللثويَّة، التي تشمل: (الثاء والذال والظاء).
الشفتان
يمثل مخرجًا عامًا يتضمن مخرجان فرعيان:
- الأول: باطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا، وحرفه (الفاء).
- الثاني: ما بين الشفتين
وفي حالتين: في حالة الانفتاح تخرج (الواو المتحركة) وهي غير مخرج الجوفيّة المدية، وحالة الضّم تخرج منها (الميم والباء)، مع ملاحظة أن الشفتين تكونان أكثر انطباقًا مع الباء مقارنة بحرف الميم.
الخيشوم
الخيشوم هو الفتحة التي تربط أعلى الأنف بالحلق، ويشار إليه أحيانًا بالأنف الداخلي فوق غار الحنك، وهو المكان الذي يخرج منه الغنة. وتشمل حروفها (النون والميم) في حالة تشديدهما أو إخفائهما أو إدغامهما مع الغنة، مما يبرز فيهما الصوت. ويُعتبر صوت الغنة مكونًا من حركتين، حيث يعبر عنه بحركة الإصبع مرتين بشكل متتابع، بلا تسارع أو بطء ملحوظ، ويمثل أيضًا مخرجًا مقدرًا لأنه مخرج لصفة الغنة اللازمة للميم والنون وليس مخرجًا للحرفين في حد ذاتهما.