مفهوم المنهج التجريبي لدى جون لوك
يمثل المنهج التجريبي تيارًا مضادًا لنظرية العقلانية التي تبلورت في الفلسفة الحديثة على يد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت. يعتبر هذا المنهج علميًا، حيث ينطلق من الملاحظة الحسية، تليها فرضية، ثم تجربة تسفر عن نظرية.
تُعرّف الملاحظة في المنهج التجريبي على أنها عملية تستدعي استغلال الحواس والتركيز على ظاهرة معينة بهدف كشف خصائصها وصفاتها. أما الفرضية فتتمثل في التخمينات حول الأسباب والعوامل التي تكمن وراء تلك الظاهرة، يليها مرحلة التجربة التي تمثل اختبارا للأفكار عبر الظواهر.
كان جون لوك أحد الفلاسفة الإنجليز الأوائل الذين اعتمدوا على المنهج التجريبي كأداة للتحليل واكتساب المعرفة. وعبّر عن ذلك من خلال رفضه لفكرة الأفكار الفطرية التي كان يروج لها التيار العقلاني بشكل عام، وخاصة ديكارت.
فهم المنهج التجريبي في جوهر المعاني
قدّم لوك رؤى فلسفية عميقة في كتابه “مقال في الفهم البشري”، حيث أكد على أن المعرفة تتأتى من التجارب، قائلاً: “لكي نصل إلى معرفة صحيحة، يجب أن نقوم بتوجيه الفكر نحو الطبيعة الثابتة للأشياء وعلاقتها الدائمة، بدلاً من إحضار الأشياء إلى فكرنا”. من خلال هذا التصريح، يوضح لوك أن المذاهب الغريزية أو الفطرية لا تستطيع أن تعطي المعرفة الحقيقية.
قدّم لوك حجة تبرز أنه من المستحيل أن تشكل الأفكار الفطرية أو الغريزية نجاحًا معرفيًا على الصعيد التربوي، لأن القيم والتشريعات تتباين من ثقافة لأخرى، مما يعني أن هناك تنوعًا ثقافيًا ودينيًا. وبالتالي، استنتج لوك أن اختلاف الثقافات والقيم يشير إلى عدم وجود أي شيء أولي أو سابق على التجارب. وذكر أنه “ليس إلا ما نرى في أفعالنا.”
طبيعة الأفكار في الفلسفة التجريبية لدى جون لوك
تقسم الصفات المرتبطة بالأشياء إلى صفات أولية مثل الصلابة، وصفات ثانوية مثل اللون. وبالتالي، يمكن أن نستنتج أن الأفكار عند لوك هي امتداد للمعاني، وهي:
- الأفكار البسيطة، التي تُكتسب من خلال الحواس بكل بساطة دون أن تمتزج بأفكار أخرى.
- الأفكار المركبة، التي يتم تشكيلها من قبل العقل باستخدام عمليات عقلية متقدمة كالتجميع، والمقارنة، والتجريد.
في المنهج التجريبي عند لوك، تعتبر النفس اجتماعًا للمعاني البسيطة والمركبة. أما الأنا، فهي الكيان المفكر والمدرك لأفعاله، وتعكس موضوع حدس باطني لا يمكن التشكيك في وجوده. ورغم ذلك، لا يعيد لوك الذاتية الشخصية إلى النفس، بناءً على فلسفته التجريبية، بل يلقي بها على ذاتية الشعور بالأنا.