تاريخ يوم عرفة
يُعتبر يوم عرفة من الأيام المباركة، حيث يقع في التاسع من شهر ذي الحجة، وهو الشهر الثاني عشر في التقويم القمري. يُعتَبَر ذو الحجة من الأشهر الحرم، وسُمّي بذلك نظراً لأداء فريضة الحج خلاله. وقد أشار النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- خلال خطبته في حجّة الوداع إلى أهمية أشهر الحج وأوضح أنها قد تم تحديدها وفق ما رأت فيه الحكم الإلهي.
قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ).
في الجاهلية، قام العرب بتغيير الأشهر الحرم واستبدال ترتيبها، حيث كانوا يحلّون شهراً منها ويحرّمون آخر. وهذا ما عُرِفَ بالنسيء، والذي ذكره الله في القرآن الكريم حيث قال: (إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادَةٌ فِي الكُفرِ).
أعمال الحج في يوم عرفة
تتعدّد الأعمال التي يقوم بها الحجاج في يوم عرفة، ومن أبرزها:
- يتوجه الحاج إلى صعيد عرفة للوقوف في هذا الموقف العظيم.
- عند وصوله، يؤدي صلاة الظهر والعصر مع إمامه جمع تقديم وقصر.
- ثم يكرّس وقته للدعاء والذكر، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أَنا والنَّبيُّونَ من قبلي: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ).
يُعدُّ الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم، ولا يُقبل الحجّ إلا به. يبدأ الوقوف عند زوال الشمس في اليوم التاسع من ذي الحجة ويستمر حتى فجر اليوم العاشر، الذي يُعرف بيوم النحر. وقد اتفق الفقهاء على أن الجلوس خارج هذه المدة يُفقد صحة الوقوف.
فضل يوم عرفة
يمتاز يوم عرفة بالعديد من الفضائل التي خصّه الله بها، وأهمها:
- اليوم الذي أكمل الله فيه الدين:
روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه جاءه رجل غير مسلم وسأله عن آية في الكتاب، لو نزلت عليهم لجعلوا ذلك اليوم عيداً، فقال: (وَأَيُّ آيَةٍ؟) فأجابه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان، نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفات في يوم جمعة.
- اليوم الذي تغفر فيه الذنوب:
يُعتبر يوم العتق من النيران، فهو أكثر يوم يعتق الله فيه عباده من عذاب النار. وفيه يتباهى الله بعباده المؤمنين أمام الملائكة، حيث روى عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ).
- يوم الحجّ الأكبر:
يُعتبر يوم عرفة يوماً رئيسياً في أداء مناسك الحج، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحجُّ عرفاتٌ).
- يوم عيد وسرور للحجّاج:
يُعتبر أيضاً يوم فرح لجميع المسلمين، حيث قال عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: (يومُ عرفةَ ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ عيدنا أهلَ الإسلامِ).
- اليوم الذي أقسم الله به:
قد أقسم الله -تعالى- في سورة البروج بهذا اليوم، فقال: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ).
- صيامه يكفّر الذنوب:
يُعتبر صيام يوم عرفة سبباً لمغفرة ذنوب السنة الفائتة والسنة المقبلة، حيث أشار أبو قتادة -رضي الله عنه- إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).
- اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق من ذرية آدم:
روى ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أخذَ اللَّهُ الميثاقَ من ظَهْرِ آدمَ بنُعمانَ – يعني عرفةَ – فأخرجَ مِن صلبِهِ كلَّ ذرِّيَّةٍ ذرأَها).
كيفية استقبال يوم عرفة
تختلف طرق استقبال يوم عرفة بين الناس، حيث يتجاهل البعض فيه الاستعداد للأعمال الصالحة، بينما يسعى البعض الآخر لصوم هذا اليوم والدعاء في آخر ساعاته. يُعتبر أفضل الناس في يوم عرفة هم أولئك الذين يستعدون مبكراً ويخططون لاستغلاله بالطاعات.
يتجه هؤلاء إلى الدعاء والذكر منذ صلاة العصر وحتى المغرب، وقد يتجمعون مع الأهل والأصدقاء لأداء الطاعات، ثم يفطرون جميعاً مع حسن الظن بالله بقبول الأعمال.
قال سفيان بن عيينة: وقفت في عرفة ثمانين مرّة، وكنت أدعو الله -تعالى- في كل موقف ألّا يجعله آخر العهد بي، ولقد استجاب الله دعاءه حتى توفي، فكان آخر ما فعله أنه لم يدع الله بشيء، حيث قال: قد استحييت من الله.