دراسة حول أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع

مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

يمكن تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغويًا واصطلاحًا كما يلي:

  • الأمر بالمعروف: تُستخدم كلمة المعروف في اللغة للدلالة على ما اتفق الناس عليه وعترفوا به ولم ينكروه. أما في الاصطلاح الشرعي، فهو يشمل كل ما يُعرف من طاعة الله -تعالى-، والقرب إليه، والإحسان للناس، وهو ما حث عليه الشرع وقدّم مدحًا لمن يقوم به. كما يُعتبر كل ما أوصى به الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويكون الأمر به من خلال الدعوة والترغيب ومشاركة الآخرين في حالة ظهرت مظاهر للتخلي عنه.
  • النهي عن المنكر: تعني كلمة المنكر في اللغة ما جحده الناس وأنكروه. وفي الاصطلاح الشرعي، يُنظر إليه كعكس المعروف، وهو كل ما حرمه الشرع واعتبره قبيحًا، ويشمل جميع المعاصي. فهذا يعني كل ما نهى الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عنه وأدان فاعليه، سواء كان ذلك تحريماً أو تنزيهاً، ويتضمن النهي عنه الابتعاد عنه ومكافحته عند ظهوره.

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الإسلامية التي اتفق عليها العلماء، وقد أكد هذا الواجب في الكتاب والسنة وإجماع الفقهاء. يبدأ هذا الواجب بتغيير المنكر بالقوة، وإن تعذر ذلك، يُستخدم النطق، ثم يتجه الإنكار إلى القلب مع الابتعاد عن المنكر. فعن النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله: (مَن رَأَى مِنكُمْ مُنكرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيدِهِ، فإن لَم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذذلك أضعف الإيمان). وقد نقل الإمام النووي والجصاص وابن حزم الإجماع على فرضية هذا الواجب وأنه يُعتبر من شعائر الإسلام الظاهرة.

رغم هذا الإجماع، تباينت آراء العلماء حول نوع هذا الواجب، هل هو واجب كفائي أي يسقط بأداء البعض له (وهو قول جمهور الفقهاء) أم هو واجب ملزم على كل شخص بحسب استطاعته. يأتي دعم هذا الرأي من اعتقادهم بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحافظ على الأمة من الفساد والانحلال، ومن أبرز المتبنين لهذا الرأي: ابن كثير، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا. وقد وردت آيات وأحاديث عديدة تُشجع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نظراً لأهميته في إصلاح المجتمع ونجاته من العقوبة.

شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجموعة من الشروط، نذكر منها:

  • التغيير بالقوة غير مسموح شرعًا إذا أدى إلى فتنة أو نزاع أو إلى منكر أكبر، كما أن استخدام القوة مُقتصر على من لديه صلاحية وسلطة للتغيير.
  • يجب أن يقوم به شخص بالغ عاقل، حيث إن المجنون والمعتوه لا يُكلّفان بذلك، ويجب أن يكون القائم به مسلمًا، لقول الله -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ). حيث أن الغرض من ذلك هو إقامة ونصرة الإسلام.
  • التوازن والاعتدال؛ بحيث لا يفعل الآمر ما يُخالف قوله، وذلك وفق قول الله -تعالى-: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ). وهذا لا يعني أنه يجب أن يكون الشخص بلا ذنوب، حيث قال سعيد بن جبير -رضي الله عنه-: “إن لم يأمر بالمأروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء، لم يأمر أحد بشيء”.
  • علم الشخص بحقيقة المعروف والمنكر، وبحاجة لأن يكون على دراية بالأحكام الشرعية وأدلتها، مع تمييز المعروف عن المنكر.
  • الإلمام بحكم الشرع في الأمور المأمور بها أو المنهي عنها، وأن يكون الفعل من الأمور المجمع عليها أو مختلف في حرمتها ولكن الفاعل يعتقد بتحريمها.
  • الرفق والحلم مع المخاطبين، لقول الله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)، ويجب أن يتحلى الداعي بالصبر تجاه المدعوين.

أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هناك العديد من الأساليب التي يمكن اتباعها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها:

  • أسلوب التعليم والتفقه: حيث يكمن الهدف في توعية الناس بأهمية الطاعات والعبادات.
  • أسلوب تعزيز الوازع الديني، بالاستناد إلى الفطرة السليمة لدى الأفراد.
  • أسلوب الموعظة الحسنة، وفقًا لقوله -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
  • أسلوب التآلف والستر، حيث يُظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلوكًا لطيفًا ومحببًا.
  • اتباع أساليب النبوة في الدعوة، وذلك من خلال صقل الطريقة التي استخدمها النبي -عليه الصلاة والسلام- في دعوته.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة كبيرة، وإليك أبرز نقاط أهميته:

  • يعتبر القيام بهما أساسًا لقيام حضارة الإسلام ووسيلة لتحقيق الصلاح، كما قال الله -تعالى-: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
  • يُعتبر القيام بهما من الصدقات ومن وسائل تكفير الذنوب ومن سبل رضا الله -تعالى-.
  • يساعد القيام بالأمر والنهي في تذكير الغافلين وتعليم الجاهلين، مما يعزز مبدأ التعاون بين المؤمنين.
  • يعزز العلاقة بين المؤمنين كولاية، مما يحقق التكامل بين المجتمع.
  • يؤدي الأمر والنهي إلى حفظ مقومات المجتمع من الأفكار المنحرفة التي تهدد استقراره.
  • يساهم في صيانة حرمة الدين وحفظ علوم الشريعة.
  • يعمل على إصلاح المجتمع ونجاته من العقاب، مما ينشئ مجتمعًا مستقرًا ملتزمًا بالدين.
Scroll to Top