رحلتي إلى عيون السمك
مع انتهاء العام الدراسي وعبور شهر رمضان المبارك، بدأت والدتي بالتحضير للاحتفال بالعيد، من كعك وحلويات وغيرها من المأكولات التقليدية التي اعتادت العائلة صنعها. خططت مسبقًا لما سنقوم به في اليومين الأولين من العيد المخصصين للزيارات العائلية، بينما خصصنا اليوم الثالث للقيام برحلة من اختيارنا.
اجتمعنا مساءً للتفكير في وجهتنا، حيث أُتيح لنا الخيار بحرية. كانت الاقتراحات تتنوع بين الذهاب إلى البحر للاستمتاع بالمناخ الجميل أو القيام برحلة لتسلق الجبال. لم تلق فكرة تسلق الجبال اهتمامًا كبيرًا، بينما كانت فكرة الذهاب إلى البحر مدروسة من قبل الجميع. لكنني قمت بطرح رأيي بعدم تفضيلي للعب في المياه المالحة أو الرمال الساخنة التي تؤذي يدي، مما جعلني أبحث عن خيارات أخرى.
قررت اللجوء إلى محرك البحث “غوغل” للبحث عن أماكن يمكننا زيارتها مع العائلة، وفي لمح البصر ظهر أمامي منظر طبيعي ساحر يُعرف باسم “عيون السمك”. لم يكن المكان بعيدًا عن منزلي، فهو يقع في طرابلس، لبنان، وبعد مزيد من البحث، أدركت أنه يستغرق نصف ساعة بالسيارة للوصول إليه. عدت إلى والدتي وأطلعتها على الاكتشاف، واستحسنته العائلة بأكملها نظرًا لجماله وأجوائه المنعشة.
تمثل الطبيعة مكانًا مثاليًا للراحة والاسترخاء، خاصة خلال أيام الصيف الحارة. لذا، كان من المنطقي اختيار هذا الموقع ليكون ملاذنا في اليوم الثالث من العيد، حيث ستتمكن العائلة من الاستمتاع بوقتها والتنزه في أحضان الطبيعة الأم.
التحضير للاستراحة بين أحضان الطبيعة
تظل الطبيعة الحلم الذي يسعى إليه الجميع؛ فمهما ارتفعت الأبنية وتزينت بألوان متعددة، يبقى سحر الشمس فريدًا. إن روح الإنسان لا تنعم بالصفاء إلا عندما تتخلل النسائم ذاكرته، وتعيده لأيام الطفولة التي قد تكون بعيدة. كان هذا الشعور هو ما دفعني لاختيار “عيون السمك” كوجهتنا.
بدأنا التحضيرات للرحلة، حيث قامت أختي سلمى بإعداد قائمة بالألعاب التي سنستمتع بها. لا يخفى على أحد أن الألعاب تضيف جوًا من المرح للنزهة. منذ أن تعلمت سلمى لعبة الشطرنج، بدأت المنافسات بيننا، ونال والدنا دعمًا لهذه اللعبة كونها تحفز الذكاء. وكانت لعبة كرة الطائرة أيضًا حاضرة في جو المنافسة، حيث تثير بداخلي حماسًا وحيوية.
الرياضة توجّه حياة الإنسان؛ لذا كانت مهامي في التحضير تركز على شراء المستلزمات من السوق، إذ اتفقنا على إعداد دجاج مشوي مع سلطات طازجة، إضافة إلى الحمص المتبل وبعض الفواكه والحلويات. ولا بد من أن تتواجد حلويات العيد خلال الرحلة لأنها جزء لا يتجزأ من احتفالاتنا.
كنت على يقين من أن هذه الرحلة ستكون فريدة، حيث ستجمعنا كعائلة في جو مليء بالمودة. أدعو الله أن يحفظ عائلتي وأن تستمر أيامنا بالبهجة والسرور.
التوجه إلى عيون السمك
عُقدت العزم على الذهاب إلى “عيون السمك”، هذه الوجهة الساحرة التي تشكل نموذجًا للجمال الطبيعي. بعد الاتفاق على الرحلة، بدأنا في التحضيرات لاختيار وسيلة النقل المناسبة.
تمتد المسافة بيننا وبين “عيون السمك” لنصف ساعة، وبالإمكان الذهاب إليها بالسيارة أو القطار. في المساء السابق للرحلة، اقترح والدي أن نأخذ القطار للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة. فمسار القطار يمتد عبر غابة قريبة، مما يمكننا من رؤية الشلالات الجميلة التي تبرز جمال المنطقة. تلاقت مقترحات الجميع بالموافقة.
ركبنا القطار في السابعة صباحًا، وكان صباح اليوم جميلًا. كانت الشمس تشرق بلطف، تتسلل أشعتها بين الجبال، بينما كانت الغيوم تلعب معها كأنها تتجاذب أطراف الحديث. جلست في المقعد المطل على النافذة، وانبهرت بجمال الأشجار المتناسقة التي تمايلت بفعل النسيم العليل.
انطلقنا في رحلتنا، حيث بدأت الرياح تتلاعب بوجنتيّ، وكانت الصور المدهشة تمر بسرعة أمام ناظري، حيث لا تتخيلها العين إلا في أزهى مشاهد الطبيعة. كانت هذه الرحلة تعد بمغامرة ستكون تجربة لا تنسى، حيث اكتشاف أحد عجائب الطبيعة التي لا تلقى الترويج الكافي، ولكن جمالها يتحدث عن نفسه.
الوصول إلى عيون السمك
شعرت بترقبٍ كبير للوصول إلى “عيون السمك”، متذكراً ما سمعته عن جمال الشلالات والمياه المتدفقة. وبعد لحظات، وصلنا إلى المكان، ولم أستطع أن أصف جمال المشهد الذي رأته عيناي، فقد بدا وكأنه لوحة طبيعية معجونة بالفن والجمال الخالص.
تجهنا نحو الموقع الذي اجتمع فيه الناس، وقد وضعوا طاولاتهم قريبًا من المياه، فيما آخرون اختاروا النهر البارد ليحتفلوا بيومهم. كان المنظر مثيرًا للغاية، وخاصة عندما عبرنا الجسر الخشبي الذي كان ممتدًا على ضفتي النهر. أتذكر أننا وصلنا إلى شجرة تفاح تتدلى منها الثمار، فاسترحنا تحتها.
بدأت والدتي بإعداد المائدة، حيث توزعت المهام بيننا؛ لعبنا في النهر، ونجحنا في اصطياد بعض الأسماك. كان من الممتع أن نشترك جميعًا في إعداد الطعام، ومع تناول الطعام في أحضان الطبيعة، كانت اللحظات جميلة لا تُنسى. ومع نهاية اليوم، جمعنا القمامة وشاركنا في لعب الشطرنج، حيث نجحت أختي في هزيمتي!
مع اقتراب المساء، أصبح العودة إلى المنزل أمرًا محتومًا، وكان لدي شعور مختلط من السعادة والحزن. كان العائلة ممتنة لي على الاقتراح، فشعرت بفخر شديد عندما شاركت في إدخال البهجة على وجوههم، وأتمنى أن نستمر في خلق ذكريات جديدة معًا في المستقبل.