النثر في العصر الأموي
تعدّ مرحلة النثر في العصر الأموي تجسيدًا لتطورٍ أدبي ناتج عن التحولات الفكرية التي شهدتها الأمة العربية بعد الإسلام. إذ أن انتقال العرب إلى الإسلام أدى إلى تغيرات جذرية في طبيعة التفكير والأسلوب الفني، ما أثر بدوره في الفنون الأدبية وخصوصًا النثر. في هذا السياق، تجلت بعض الفنون النثرية، مثل الخطابة والكتابة، بشكل بارز. سنستعرض في هذا المقال أهم سمات النثر في العصر الأموي.
الخطابة
تعددت العوامل التي ساهمت في انتشار الخطابة خلال هذه الفترة، إذ كانت الفصاحة اللغوية متيسرة، ولم تعتريها شوائب الفساد منذ بدايات العصر. كما لعبت الظروف السياسية والاجتماعية دورًا كبيرًا في تعزيز هذا الفن الأدبي. يمكننا تصنيف الخطابة في العصر الأموي إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
الخطابة السياسية
تزامنت هذه الفترة مع بروز العديد من التيارات السياسية، حيث اعتقد الأمويون بأنهم الأحق بالخلافة، بينما كان للخوارج وشيعة علي بن أبي طالب رؤى مختلفة. ولقد كانت لكل فئة من هذه الفئات خطاباؤها الذين دافعوا عنها. ومن أبرز خطباء بني أمية زياد بن أبيه والحجاج بن يوسف الثقفي، بينما اشتهر لدى الخوارج قطري بن فجاءة، وبالنسبة للشيعة كان المختار الثقفي هو الخطيب المعروف.
مثالٌ على الخطابات السياسية الناجحة في هذا العصر هو خطبة زياد، والتي اشتهرت بأسلوبها القوي والمباشر، حيث استخدم فيها ألفاظًا بدت غنية من الناحية البلاغية ولم تتضمن السجع كما في خطب الخلفاء الراشدين. كانت أفكار الخطبة مترابطة، حيث كانت كل فكرة تقود إلى التالية.
خطابة المحافل
كان العرب منذ فترة الجاهلية يرسلون ممثلين عن قبائلهم إلى الملوك والأعيان، حيث يقوم خطيب بارع بعرض مطالب قومه. وعزز معاوية بن أبي سفيان هذه الممارسة مما أدى إلى تزايد عدد الوفود. ومن أبرز خطباء المحافل كان الأحنف بن قيس، الذي على الرغم من مظهره المتواضع، لكنه تحلى بصفات القيادة، وأثرت خطبه التي كانت مختصرة ومباشرة بشكل كبير في قومه. فعندما وقع الاضطراب بين الأزد وبني تميم، ألقى خطبة حث فيها على وحدتهم، مما أسهم في إنهاء الفتنة.
الخطابة الدينية
استمرت الخطابة الدينية من عصر صدر الإسلام حتى العصر الأموي. وقد كان هناك عدد من الخطباء الذين تحدثوا في المساجد وجلسوا للوعظ. ومن بينهم الحسن البصري الذي عُرف بأسلوبه الخطابي المؤثر، حيث كان يوصي الناس بالتفكر في عواقب أفعالهم وبضرورة اختيار ما هو أفضل لهم في الدنيا والآخرة.
الكتابة
شهدت الكتابة في العصر الأموي تطورًا ملحوظًا نتيجة تفاعل ثلاثة روافد رئيسية: أولها الشعر الجاهلي بما يحتويه من أساليب، وثانيها أحداث صدر الإسلام وما أسفرت عنه من تنوع أدبي، وثالثها تأثير الثقافات الأجنبية مثل الفارسية والهندية.
برز من بين الكتَاب عبد الحميد الكاتب، الذي انضم إلى ديوان الرسائل في دمشق في عهد هشام بن عبد الملك واستمر في عمله حتى عهد مروان بن محمد. وقد عُرف أسلوبه بالجمع بين الأصالة والحداثة، مع مراعاة التقليد العربي في الكتابة. إذ تميزت نصوصه بتنوع أساليب الترميز البلاغي، وكان لها وقع موسيقي بفضل استخدامه للسجع.
تعريف النثر
يرتبط النثر بكونه نوعًا من الكلام الذي لا يتقيد بالوزن أو القافية كما هو الحال مع الشعر. يمكن تقسيم النثر إلى نوعين رئيسيين:
- لغة التواصل والتخاطب، وهي اللغة المستخدمة بين الناس بشكل يومي، ولا تحمل قيمة أدبية.
- لغة الأدب، حيث يصل الأديب فيها إلى مستوىٍ يعبر فيه عن فنه وبلاغته. هذا النوع من النثر عادة ما يحظى باهتمام النقاد في مختلف جوانب الأدب.