تعتبر نهاية العام مناسبة تحمل في طياتها معاني عميقة ودروسًا مهمة، فهي تذكير زائل للدنيا التي يعيشها الكثيرون كأنها خالدة، ولكنها في الواقع ليست إلا فترة انتقالية نحو الآخرة، حيث يكون الحساب إما جنّة أو نار.
لذا، يجب على الإنسان أن يجعل رحلته في هذه الدنيا ميسرة، مُعتمدًا على العمل الصالح وتقوى الله، فهذه المناسبة تجدد إيمان القلب وتحث المسلم على تجديد النية والإكثار مما يقرّبه إلى الله سبحانه وتعالى.
مقدمة خطبة حول نهاية العام
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أيها المؤمنون، أوصيكم بتقوى الله والتوبة من الذنوب والمعاصي.
إن مناسبتنا اليوم تعتبر دليلاً واضحًا على انقضاء الأيام والشهور والسنوات واقتراب الأجل ولقاء الله تعالى.
فطوبى لمن حضر نفسه لذلك واستثمر الفرص وجعل من أيامه خزائن للأعمال الصالحة.
قد مضى عام من العمر، فهل يشهد لنا أم علينا؟
فلا تقاس سعادة الإنسان بطول عمره، بل بمقدار ما حققه من طاعات وأعمال حسنة.
لقد منح الله سبحانه وتعالى عباده فرصة عظيمة لجعل بداية ونهاية العام شهورًا حرامًا، لتكون فرصة للتوبة والعودة إلى الله وترك المعاصي.
أهمية نهاية العام في الإسلام
قبل صياغة خطبة حول نهاية العام، يجب على المسلم أن يتأمل في اهتمام الإسلام بنهاية الأعوام.
حيث وردت أحاديث نبوية تشير إلى أهمية استثمار هذه الفترات في الطاعات، وتبرز ذلك النقاط التالية:
- لم يهمل الإسلام أي حدث في حياة المسلمين، حيث شدد على أهمية استغلال الوقت في عبادة الله وصلاح الأرض.
- وخصوصًا تلك المتعلقة بالنهايات، يدعو المسلم فيها قائلاً: “اللهم اجعل خير أعمالي خواتيمها”.
- تشكل نهاية العام فرصة لتعزيز التوبة وتجديد النوايا الصالحة.
- والعزم على إصلاح النفس وتحفيزها على العبادة.
- يمر الزمن عامًا بعد الآخر هو دليل على استهلاك العمر، والذي سيسأل عنه المسلم.
- فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه”.
دعاء نهاية العام
تشمل خطبة نهاية العام الدعاء والتقرب إلى الله، ومن أبرز الأدعية المستحبة في نهاية العام:
- اللهم ما قدمته في هذا العام مما نسيتني عنه ولم ترضه، واحتملتني رغم قدرتك على عقابي.
- فتحت لي أبواب رحمتك بالتوبة من المعاصي والذنوب، فأنا أستغفرك من كل ذنب، فاغفر لي.
- وتقبل مني الأعمال الصالحة ووفقني لما تحب وترضى بكرمك يا مالك الملك.
- اللهم أنت الباقي الأزلي، وهذا عام جديد أسألك فيه النجاة من كل شر ومن وساوس الشيطان.
- اللهم أعني على نفسي المتمردة السوء، واشغلني بكل عمل يقربني إليك ويجعلني من الصالحين يا ذو الجلال والإكرام.
- اللهم اجعل هذا العام الجديد بداية لكل فرح ونهاية لكل هم وحزن، وأقربني فيك قرب المحبين، وأجعني وأهلي في ودائعك يا الله.
- اللهم اختر لي ما تحب وترضي، فأنا شيء وأنت رب كل شيء.
الأشهر الحرم
ينبغي أن نذكر في خطبة نهاية العام مكانة الأشهر الحرم التي تنتهي بها العام القديم وتبدأ بها العام الجديد.
وإليك أهم ما يخص الأشهر الحرم:
- الأشهر الحرم هي الشهور التي حرم الله فيها القتال إلا في حالات الدفاع عن النفس أو التصدي للعدوان.
- كانت هذه الشهور قبل الإسلام هي الأشهر المعروفة بالتحريم.
- لكن بعد الإسلام، حرم الصيد في مكة والمدينة أيضًا.
- في الأشهر الحرم يكون الإثم والمعاصي أكثر خطورة.
- إذ تزداد العقوبة فيها.
- وقد ذكر أبو بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان”.
- من المستحب في هذه الأشهر الإكثار من الأعمال الصالحة لزيادة الأجر والثواب.
خطبة نهاية العام
أيها المسلمون، في وداع هذا العام، دعونا نتطلع إلى مستقبل مضيء مليء بالأمل في العام الجديد.
لننسى أبدًا أهمية الأعمال الصالحة، فكل مرحلة من العمر تحتاج إلى متطلباتها، وأحداث الزمن تمثل دروسًا لتجديد النفس وتحقيق الأهداف.
وإذا تبقى ساعات قليلة على انتهاء عام من الحياة، اعلم أن كل ما مضى لن يعود، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمر.
فكل عام ينقضي هو نقص في العمل وقرب من الأجل.
لذلك، ليس من يسعد بطول عمره، بل من يحسن عمله.
عباد الله، إن قطار الحياة يسير بسرعة، ولا ينتظر أحدًا، فلا يدع غافلاً ولا يتوقف لنزول أحد.
كم ودعنا من أحبة وأصدقاء في العام الماضي، سبقونا إلى دار الحق.
تركونا بأموال وأبناء، لكنهم أخذوا معهم الأعمال التي قاموا بها.
أيها الإخوة، من كان لديه ضلالة في الأيام والسنين الماضية، فليغتنم هذه الفرصة ليتوب ويعود إلى سبيل الحق.
فالدنيا ليست دائمة لأحد، مهما طال الزمن.
الموت حق والآخرة حق، ولا مفر من الحساب (فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى).
إن الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، فكم من غافل لا يؤدي الصلاة، ولا يصوم، ولا يزكي.
يدير ظهره للجار، ولا يصل الرحم، يرتكب الفواحش بكيفية وتفكير.
لعل نهاية هذا العام فرصة عظيمة لمراجعة النفس وحسابها، وانتهاء الفساد والضلالة.
خاتمة خطبة حول نهاية العام
وفي ختام هذه الخطبة، نستحب الدعاء بالرحمة ومغفرة ما مضى من الذنوب.
لكل المسلمين، ونسأل الله أن يجعل أيام العام الجديد تحمل الفرح والخير لكل المسلمين في جميع الأنحاء:
اللهم لك السلام ومنك السلام، تباركت يا ذو الجلال والإكرام، اللهم عز الإسلام وارفع شأن المسلمين.
اللهم عليك بالطغاة والمفسدين، وأصلح أحوالنا ووفق أئمتنا ومن وليته أمورنا.
اللهم اغفر لنا ما مضى من أعمارنا، وارزقنا توبة قبل الممات، واجعل القرآن الكريم نور قلوبنا وشفاء لما في صدورنا.
اللهم انصر المسلمين في كل بقاع الأرض، ودمر أعداء الدين ومن عاونهم.
اللهم صلِّ على سيدنا وحبيبنا محمد، صلاة تفرج بها الكرب، وتنحل بها العقد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.