تعد خطبة عن جبر الخواطر وتطييب النفوس من المواضيع القيمة التي يمكن تناولها في يوم الجمعة، حيث يشير الدين الإسلامي إلى أهمية مراعاة المشاعر وسعي الفرد لإظهار اللطف والعطف تجاه الآخرين.
يعتبر جبر الخواطر عبادة تقرب الإنسان من ربه، فالمسلم الذي يتحلى بالقلب الرحيم يكون محبوبا في قلوب الناس، لأنه يسعى إلى الخير لهم.
خطبة عن جبر الخواطر وتطييب النفوس
الخطبة الأولى
- الحمد لله على نعمة الإسلام، نحمد الله الذي جعلنا من أمة محمد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا هو رسول الله.
- أيها المؤمنون، اتقوا الله وراقبوه في السر والعلن، فإن تقوى الله تُعد من أسباب البركات والنجاة من النار.
- قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيم) سورة المائدة.
- وأكد سبحانه في سورة الأعراف: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
- يا أمة محمد، يجب أن تدركوا أن معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته تُعد من العبادات، وتشهد على حب الله وخشيته.
- جاء ذكر اسم الله الجبار في عدة مواضع من القرآن، ومنها ما جاء في قوله:
- (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
- إنه سبحانه وتعالى الذي يمتاز بالعظمة على مخلوقاته؛ فلا ينفع أحد به ولا يضره.
- قد قهر الظلمة والجبابرة بجبروته، فهو من يعلوهم بعظمته ومجده. وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول”
- “أخذ الجبار سماواته وأراضيه بيده، ثم قبض يده، فجعل يقبضها ويبسطها، ثم يقول: أنا الجبَّار، أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟”.
- أخوتي في الإسلام، إن اسم الله الجبار يمكن أن يُفهم أيضًا على أنه يدل على الرحمة والرأفة.
- كما جاء في سنن الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول بين سجدتين: ”اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني واهدني”.
- فإن الله تعالى يجبر الضعيف بالقوة، والفقير بالغنى، والمكسور قلوبهم بتجديد الأمل وحلول الفرج.
- من أجمل صفاته سبحانه وتعالى أنه ينزل في الثلث الأخير من الليل وينادي:
- “هل من داع فاستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟”
مواقف جبر الله لقلوب أنبيائه
- ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم كيف جبر قلوب أنبيائه. فقد طلب نبي الله موسى أن يرى ربه، فأخبره الله عز وجل أنه لن يحدث ذلك في الدنيا.
- لكن الله جبر خاطره بالقول: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) سورة الأعراف.
- ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب البلاد إليه، وقف على مرتفع وقال: “ما أطيبك من بلد، وأحبُّك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما خرجتُ…”
- فقد جبر الله خاطره بإنزاله الآية: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) سورة القصص.
- وصَدَقَ الله وعده ودخل مكة، وأعطاه وعداً بأنه سيعطيه حتى يرضى، كما ورد في سورة الضحى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).
- أيها المؤمنون، إن من يتحلى بجبر الخواطر يدل على طهارة قلبه وسمو نفسه، وهو من صفات الأنبياء.
- فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً بالناس، يجبر خواطرهم، لا يعيب طعاماً، ويعود المريض ويستفسر عن الغائب؛ وكان حريصاً على كسب مشاعر الود.
- من مواقف جبر الرسول لخاطر الصحابة حينما تسببت الريح في الكشف عن ساق ابن مسعود رضي الله عنه، فضحك الصحابة، فقال النبي: (والذي نفسي بيده لهما أثقلُ في الميزان من أُحُدٍ).
- يا معشر المؤمنين، جبر الخواطر يعزز الفرح والسرور في قلوب المؤمنين، فاحتضنوا بعضكم، وشاركوهم الأفراح والأحزان.
- وينبغي أن تشمل هذه المعاني الأهل، وخاصة الوالدين والزوجة والأبناء، تذكروا أنها عبادة عظيمة أمرنا الله بها.
الخطبة الثانية
- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد أيها المؤمنون:
- إن جبر الخواطر هو أمر عظيم، وخلق إنساني نبيل يظهر سلامة الصدور، وسمو النفس، ورجاحة العقل.
- وهو وسيلة لجبر القلوب المنكسرة، ومن أعظم أسباب المحبة والألفة بين المسلمين.
- الكثير منا يتعرض يومياً لأزمات وكروب، ويحتاج إلى من يواسيه ويجبر خاطره.
- فجبر الخواطر يهون الأعباء على المصاب، ويرفع من همته، ويعينه ليقف على قدميه من جديد.
- ما أروع اللحظة التي تمتد فيها يد العون إن كنت في أشد الآلام، أو عندما تصل إلى أذنيك كلمات تخفف عنك.
- في خطبة حول جبر الخواطر وتطييب النفوس، ينبغي علينا أن نتناول مواقف وأساليب متنوعة يمكن تطبيقها بسهولة.
- عندما ترى شخصاً غير جذاب، وتثني على جمال مظهره، فإن ذلك يُعتبر جبر خاطر.
- وعندما ترى شخصاً حقق نجاحاً رغم صغر حجمه بالنسبة لك، فتقوم بتهنئته، فهذا يعد جبر خاطر.
- عند دخولك المكتب وتلقي فنجان من القهوة مع الشكر بابتسامة، فهذا أيضاً جبر خاطر.
- وتشيد بمجهود زوجتك في تحمل المسؤوليات وتعلم الطبخ، فتشكرها مبدياً إعجابك، فإنك تجبر خاطرها.
- وكذلك فإن الزوجة متى ما قدمت الشكر لزوجها عند عودته بالطلبات البيتية، فإن ذلك يعد جبر خاطر.
- فالابتسامة والكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين تساهم في جبر الخواطر.
- يا عباد الله، كونوا سبباً في طي خواطر من حولكم، ولا تبخلوا عليهم بجهدكم وعملكم، فهي ثمرة عظيمة وبر من الله.
- وأخيراً، ما أجمل أن نواسي من نشاركهم الحياة، وما أروع أن نجبر بخاطرهم، فلعل الله يجبر بخاطرنا ويفتح لنا أبواب الرحمة.