تأملات في سورة يونس
سبب التسمية
تدعو سورة يونس إلى التأمل، فهي السورة الأولى في القرآن التي تُسَمَّى باسم نبي، حيث أتت قبلها سور هود، يوسف، إبراهيم، ونوح. وقد سميت بهذا الاسم لما ورد في الآيات من ذكر النبي يونس بن متى -عليه السلام-، كما في قوله -تعالى-: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
ويونس بن متى -عليه الصلاة والسلام- هو أحد أولي العزم من الأنبياء، وقد ذكره الله -تعالى- في مواضع متعددة من القرآن باسمه ولقبه، مثلما ورد في سورتي النساء والأنعام، وكذلك في سورتي الصافات ويونس. وتمت الإشارة إليه بلقبه في سورتي الأنبياء والقلم، حيث قال -تعالى-: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا) وقال -تعالى-: (وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ).
البداية بالحروف المقطعة
تبدأ السورة بالحروف المقطعة (الر)، والتي تُقرأ ساكنة وغير معربة، وهذه الحروف تهدف إلى إبراز إعجاز القرآن الكريم، وكذلك لجذب انتباه السامع وتحفيزه على ما يتلوه بعد ذلك من آيات، مما يساعده على تأمل معاني آيات الله وفهمها بشكل أعمق.
التفريق بين أولياء الله وأعداءه
تشير الآيات المباركة إلى أولياء الله وخصائصهم، وتوضح الجزاء العظيم والمباركة التي سيحصلون عليها في الآخرة، حيث أنهم هم الذين يصدقون في عبادة الله ويتقونه في تعاملاتهم سرا وعلانية. قال -تعالى-: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
في المقابل، فإن من يسير في طريق الشيطان ويرتكب الكفر يعتبر من أتباعه، وقد خسر في دنياه وآخرة. يوم القيامة، سيتبرأ الشيطان من أتباعه كما ذكر الله -تعالى- عن إبليس ولحظة خطابه يوم الحساب.
قال -تعالى-: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ).
بشرى المؤمن وقدرة الله سبحانه
يقدم الله -تعالى- بشرى للمؤمنين في حياتهم الدنيا والآخرة، حيث تنعكس هذه البشرى في تنوع الخيرات والبركات للشخص المؤمن، إضافة إلى التوفيق في شتى مجالات الحياة والفوز برضا الله -سبحانه وتعالى-. وفي الآخرة، تأتي البشرى بدخول الجنة والظفر بلقاء الله -سبحانه وتعالى-.
إن أوامر الله ومقاديره لا يمكن تغييرها أو تبديلها، قال -تعالى-: (لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)، ولا يحدث في الكون أي أمر لم يكتبه الله -سبحانه-، كما ذكر في قوله: (لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
البشرى لمن يثبت على نور الإيمان، ويسعى في العمل الصالح، وتعلق قلبه بالله -سبحانه وتعالى-، كما أنه يجب أن يتجنب السيئات، ويعيش الاستغفار والخوف والرجاء في رحمة الله، وهو يقترب من الجنة، وقد ورد ذلك في قوله -تعالى-: (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- السموات والأرض في ستة أيام، وأظهر من خلال ذلك عظمة خلقه، وجاء ذلك بعدما استنكر الكافرون إرسال رسل من البشر، حيث بين الله -عز وجل- بعض دلالات توحيده من خلال الأمور المتعلقة بالخلق والقدرة، ودعاهم إلى التفكر في ذلك تجاوبًا مع تذكيراته.
نبذة عن سورة يونس
سورة يونس تعد من السور المكية، حيث تضم مئة وتسع آيات. تتناول السورة بدايةً موضوع الرسالة والرسل، مشيرة إلى أن هذه هي سنة الله -سبحانه وتعالى- طالما الوجود، فلكل أمة أرسل الله إليها نبيًا ليكون بشيراً ونذيراً. وبالتالي، لا ينبغي للمشركين أن يتحيروا في بعثة خاتم الأنبياء -عليه الصلاة والسلام-.
قال -تعالى-: (أَكَانَ للنَّاس عجبا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ)، ثم تتوالى الآيات لتعكس جوهر الألوهية والعبودية وتنبه على العلاقة بين الخالق والمخلوق.