تاريخ معركة أحد وأحداثها

تاريخ غزوة أحد

حدثت غزوة أحد في يوم السبت، السابع من شهر شوال في السنة الثالثة للهجرة، أي بعد نحو سنتين وسبعة أشهر من هجرت النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم-. يشير قوله -تعالى-: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) إلى وقوع أحداث الغزوة في النهار وليس في الليل.

تُطلق التسمية غزوة أحد على هذه المعركة نظراً لوقوعها بالقرب من جبل أحد، والذي يعد جبلًا حمري اللون يقع شمال المدينة المنورة على بعد ميل واحد منها. يُنسب اسم الجبل إلى انقطاعه وتفرده عن الجبال المحيطة به، وذُكر في العديد من الأحاديث النبوية، ومنها قول النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم-: (أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ). وقد فسر بعض العلماء هذا الحديث بمعاني مختلفة، حيث اعتبره البعض متعلقًا بسكان الجبل، بينما اعتبره الآخرون على معناه الظاهر، إلى جانب قول الله -تعالى-: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ). ويعزى البعض حب النبي لجبل أحد لكونه كان يلتقيه عند عودته من السفر بالقرب من موطن إقامته وأهله.

أحداث غزوة أحد

سبب غزوة أحد

بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر، تجمع بعض رجال قريش الذين قتل أهلهم فيها، وذهبوا إلى أبي سفيان يطلبون مساعدته بأموال القافلة التي عادت سالمة، ليشنوا حربًا على المسلمين طالبين ثأر موتاهم. فبدأ أبو سفيان بتأليب القبائل العربية الموالية لقريش على الحرب ضد المسلمين.

تجهيز الفريقين للحرب

قاد أبو سفيان جيشًا يضم ثلاثة آلاف مقاتل وتوجه نحو المدينة المنورة، حيث نزلوا بالقرب من جبل أحد. علم النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بأمرهم، وكان على وشك اتخاذ قرار إما بالبقاء في المدينة والتحصن بها، وهو الخيار الذي كان يميل له، أو الخروج لملاقاة المشركين، وهو ما كان يُفضل أغلب الصحابة. اتخذ النبي رأي الأغلبية وخرج لملاقاة العدو، ولكن بعض الصحابة الذين أشاروا عليه بالخروج ندموا وطلبوا منه البقاء، فرد عليهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما يَنْبَغِي لنبيٍّ لَبِسَ لَأْمَتَهُ أن يَضَعَها حتى يُحَكِّمَ اللهَ بينَه وبينَ عَدُوِّهِ).

توجه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لملاقاة المشركين برفقة ألف مقاتل، ولكن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول مع ثلاثمئة منافق قرروا العودة إلى المدينة.

أحداث أرض المعركة

واصل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- السير مع جيشه حتى وصل جبل أحد، وقد جعل ظهر المسلمين للجبل وعين عبد الله بن جبير -رضي الله عنه- قائدًا لخمسين راميًا، حيث أمرهم بالبقاء في مواقعهم لحماية ظهر المسلمين وألا يتركوها حتى يُرسل إليهم. قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، هذا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ، وإنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وأَوْطَأْنَاهُمْ، فلا تَبْرَحُوا حتَّى أُرْسَلَ إلَيْكُمْ).

تواجه الجيشان في معركة شرسة، وسرعان ما بدأت الغلبة تميل لصالح المسلمين، مما جعل المشركين يتراجعون. ولكن عندما رأى الرماة فرار المشركين، قرروا النزول من الجبل لأخذ حصصهم من الغنائم، باستثناء قائدهم الذي بقي مع عشرة رماة، مما أتاح لخالد بن الوليد فرصة للالتفاف حول المسلمين ومهاجمتهم. أدى ذلك إلى تزعزع صفوف المسلمين، خصوصًا بعد تردد أخبار تشير إلى مقتل النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، مما دفع البعض للعودة نحو المدينة.

لكن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حافظ على ثباته، ووقف إلى جانبه عددٌ من المسلمين، منهم أبو دجانة -رضي الله عنه- الذي اتخذ من ظهر النبي درعًا لحمايته من سهام المشركين، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- الذي أطلق نحو ألف سهم في هذه المعركة، وكذلك نسيبة أم عمارة الأنصارية -رضي الله عنها- التي دافعت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع زوجها وابنها. وقد أراد الله -تعالى- تخفيف آلام المسلمين في غزوة أحد، فنزل قوله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

نتيجة غزوة أحد

  • قُتِل من صفوف المشركين في غزوة أحد أربعة وعشرون رجلًا، دون وجود أسرى وقلة في عدد الجرحى. وفي المقابل، استُشهد سبعون من المسلمين مع أعداد كبيرة من الجرحى. ويذكر أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه-: (لمَّا كانَ يومُ أُحُدٍ قُتِلَ منَ الأنصارِ أربعةٌ وستُّونَ رجلًا ومنَ المُهاجرينَ ستَّةٌ)، وكان من بينهم عمّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حمزة بن عبد المطلب وأبو حنظلة المعروف بغسيل الملائكة.
  • كان التفاف خالد بن الوليد حول المسلمين له تأثير كبير على ارتفاع الخسائر البشرية في صفوفهم، ولكن ذلك لا يعتبر هزيمة لهم لسببين:
    • أولًا، إن نتائج المعارك لا تقاس بعدد الخسائر البشرية فحسب، بل أيضًا من خلال تحقيق الأهداف الحيوية من القتال، والتي تتضمن إضعاف القدرات المتاحة للعدو، وهو ما لم يتحقق ضد المسلمين، والدليل على ذلك هو مطاردة المسلمين لقريش بعد يوم واحد فقط من غزوة أحد.
    • ثانيًا، إن نجاة مجموعة صغيرة من هزيمة كانت مؤكدة أمام قوة أكبر بخمسة أضعاف لا تُعتبر هزيمة بل هي فشل للقوة الأكبر. يتضح ذلك إذا نظرنا إلى ما فعله خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في غزوة مؤتة، حيث أنقذ جيش المسلمين من الهلاك باستخدام استراتيجيات حربية ساعدت في تنظيم انسحابهم، واستقبلهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بحفاوة، مُعتبرًا عودتهم انتصارًا.
Scroll to Top