تحليل قصيدة غربة وحنين للشاعر البارودي: دراسة لموضوعاتها ومعانيها

دراسة تحليلية لقصيدة غربة وحنين للبارودي

في قصيدته المتميزة، يتساءل الشاعر البارودي عن:

هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي

يَشْفِي عَلِيلاً أَخَا حُزْنٍ وَإِيرَاقِ

قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً

حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي

حُزْنٌ بَرَانِي وَأَشْوَاقٌ رَعَتْ كَبِدِي

يَا وَيْحَ نَفْسِيَ مِنْ حُزْنٍ وَأَشْوَاقِ

أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرَاً وَهْيَ جَازِعَةٌ

وَالصَّبْرُ فِي الحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتَاقِ

لا فِي سَرَنْدِيبَ لِي خِلٌّ أَلُوذُ بِهِ

وَلا أَنِيسٌ سِوَى هَمِّي وَإِطْرَاقِي

أَبِيتُ أَرْعَى نُجُومَ اللَّيْلِ مُرْتَفِقَاً

فِي قُنَّةٍ عَزَّ مَرْقَاهَا عَلَى الرَّاقِي

تَقَلَّدَتْ مِنْ جُمَانِ الشَّهْبِ مِنْطَقَةً

مَعْقُودَةً بِوِشَاحٍ غَيْرِ مِقْلاقِ

كَأَنَّ نَجْمَ الثُّرَيَّا وَهْوَ مُضْطَرِبٌ

دُونَ الْهِلالِ سِرَاجٌ لاحَ فِي طَاقِ

يَا رَوْضَةَ النِّيلِ لا مَسَّتْكِ بَائِقَةٌ

وَلا عَدَتْكِ سَمَاءٌ ذَاتُ أَغْدَاقِ

وَلا بَرِحْتِ مِنَ الأَوْرَاقِ فِي حُلَلٍ

مِنْ سُنْدُسٍ عَبْقَرِيِّ الْوَشْيِ بَرَّاقِ

يَا حَبَّذَا نَسَمٌ مِنْ جَوِّهَا عَبِقٌ

يَسْرِي عَلَى جَدْوَلٍ بِالْمَاءِ دَفَّاقِ

بَلْ حَبَّذَا دَوْحَةٌ تَدْعُوالْهَدِيلَ بِهَا

عِنْدَ الصَّبَاحِ قَمَارِيٌّ بِأَطْوَاقِ

مَرْعَى جِيَادِي ومَأْوَى جِيرَتِي وَحِمَى

قَوْمِي وَمَنْبِتُ آدَابِي وَأَعْرَاقِي

أَصْبُو إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ وَيُعْجِبُنِي

أَنِّي أَعِيشُ بِهَا فِي ثَوْبِ إِمْلاقِ

وَكَيْفَ أَنْسَى دِيَارَاً قَدْ تَرَكْتُ بِهَا

أَهْلاً كِرَاماً لَهُمْ وُدِّي وَإِشْفَاقِي

إِذَا تَذَكَّرْتُ أَيَّامَاً بِهِمْ سَلَفَتْ

تَحَدَّرَتْ بِغُرُوبِ الدَّمْعِ آمَاقِي

فَيَا بَرِيدَ الصَّبَا بَلِّغْ ذَوِي رَحِمِي

أَنِّي مُقِيمٌ عَلَى عَهْدِي وَمِيثَاقِي

وَإِنْ مَرَرْتَ عَلَى الْمِقْيَاسِ فَاهْدِ لَهُ

مِنِّي تَحِيَّةَ نَفْسٍ ذَاتِ أَعْلاقِ

وَأَنْتَ يَا طَائِرَاً يَبْكِي عَلَى فَنَنٍ

نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ سَاقٍ عَلَى سَاقِ

أَذْكَرْتَنِي مَا مَضَى وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ

بِمِصْرَ وَالْحَرْبُ لَمْ تَنْهَضْ عَلَى سَاقِ

أَيَّامَ أَسْحَبُ أَذْيَالَ الصِّبَا مَرِحاً

فِي فِتْيَةٍ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ سُبَّاقِ

فَيَا لَهَا ذُكْرَةً شَبَّ الْغَرَامُ بِهَا

نَاراً سَرَتْ بَيْنَ أَرْدَانِي وَأَطْوَاقِي

عَصْرٌ تَوَلَّى وَأَبْقَى في الْفُؤَادِ هَوىً

يَكَادُ يَشْمَلُ أَحْشَائِي بِإِحْرَاقِ

وَالْمَرْءُ طَوْعُ اللَّيَالِي فِي تَصَرُّفِهَا

لا يَمْلِكُ الأَمْرَ مِنْ نُجْحٍ وَإِخْفَاقِ

عَلَيَّ شَيْمُ الْغَوَادِي كُلَّمَا بَرَقَتْ

وَمَا عَلَيَّ إِذَا ضَنَّتْ بِرَقْرَاقِ

فَلا يَعِبْنِي حسُودٌ أَنْ جَرَى قَدَرٌ

فَلَيْسَ لِي غَيْرُ مَا يَقْضِيهِ خَلَّاقِي

أَسْلَمْتُ نَفْسِي لِمَوْلَىً لا يَخِيبُ لَهُ

رَاجٍ عَلَى الدَّهْرِ وَالْمَوْلَى هُوَ الْوَاقِي

وَهَوَّنَ الْخَطْبَ عِنْدِي أَنَّنِي رَجُلٌ

لاقٍ مِنَ الدَّهْرِ مَا كُلُّ امْرِئٍ لاقِي

يَا قَلْبُ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُ قَدَرٌ

يَجْرِي عَلَى الْمَرْءِ مِنْ أَسْرٍ وَإِطْلاقِ

لا بُدَّ لِلضِّيقِ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ فَرَجٍ

وَكُلُّ دَاجِيَةٍ يَومَاً لإِشْرَاقِ

الأفكار الأساسية في قصيدة غربة وحنين للبارودي

تتضمن القصيدة عدة أفكار عميقة أراد الشاعر إيصالها إلى الجمهور عبر هذه الكلمات الجذابة، ومن أبرز هذه الأفكار:

  • التساؤل عن الشخص الذي يمكنه أن يخفف عنه الألم والشعور بالفراق.
  • الصبر والشعور بالضيق بسبب فراق الوطن والأحباء.
  • تذكر لحظات جمال وطنه، مصر.
  • تجديد العهود التي قطعها الشاعر على نفسه، والتي تتعلق بحبه لوطنه.
  • استرجاع ذكريات الطفولة والمواقف الاجتماعية مع الأصدقاء والجيران.
  • تخليص نفسه بين يدي الله وقدرته على تغيير الأقدار.

تفسير المفردات في قصيدة غربة وحنين للبارودي

تحتوي القصيدة على بعض المفردات التي تستوجب التفسير لرفع مستوى الفهم للمعاني التي تحملها:

المفردةالمعنى
مهجتيتعني قلب الإنسان وعمقه.
سرنديباسم مكان معروف في الهند.
قُنَّةٍتعني موضع مرتفع.
بَائِقَةٌتعني شيئا غير محبذ أو غير مستحب.
الصَّبَاتعني الشوق أو الحنين.

الصور الفنية في قصيدة غربة وحنين للبارودي

تحتوي القصيدة على العديد من الصور الشعرية التي تُعبر عن عواطف الشاعر بلغة أدبية بليغة، ومن أبرز هذه الصور:

  • قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً

يصور الشاعر الهوى بشكل إنسان يظل محتفظًا بشيء، مما يعد استعارة مكنية حيث فقد المشبه به مع الحفاظ على ما يلزم.

  • حُزْنٌ بَرَانِي وَأَشْوَاقٌ رَعَتْ كَبِدِي

يقدم الشاعر الحزن والشوق بصورة إنسان يتعرض للألم، ويمثل ذلك أيضًا استعارة مكنية.

  • أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرَاً وَهْيَ جَازِعَةٌ

تظهر النفس كما لو كانت إنسانًا عاجزًا عن التحمل، مما يشير أيضاً إلى استعارة مكنية.

Scroll to Top