تعدد الزوجات
يعتبر الزواج وسيلة هامة للتكاثر والاستمرار في الحياة البشرية، حيث يسهم في تحقيق الهدف الإلهي في المحافظة على البشرية. ومن المواضيع الأساسية التي تناولها الإسلام بشكل مفصل هو موضوع تعدد الزوجات، حيث يتطرق لتعاليمه وأحكامه وشروطه. وقد تم ذكر ذلك في نصوص السنة النبوية وكذلك في بعض الآيات القرآنية المتعلقة بالزواج. من جهة أخرى، كان تعدد الزوجات شائعاً في المجتمعات، بينما منعت بعض الأديان هذه الظاهرة. لذا، ما هو حكم تعدد الزوجات؟ وما هو أصل مشروعيته؟ ومتى يكون التعدد جائزاً ومتى لا يكون؟ تلك الأسئلة ستتناولها هذه المقالة إن شاء الله.
تعريف الزواج لغة واصطلاحاً
- تعريف الزواج لغة: يُشتق الزواج من الفعل “زوَّج” بمعنى الإذن بالزواج، إذ يعني أن يُنِكِح الرجل امرأةً، ويُعرف ايضا بصفة “مزوِّج”.
وقد قال الله تعالى: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ). فحينما يُقال “زوَّج الشيء بالشيء”، فهذا يشير إلى الربط بينهما، كما جاء في قوله تعالى: (وإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ). والنكاح أيضًا يعني الزواج ويُشتق من الفعل “نَكَحَ”. - تعريف الزواج اصطلاحاً: يُعرف الزواج اصطلاحياً بأنه عقد يهدف إلى إباحة الاستمتاع بالزوجة من خلال ألفاظ معينة. وفقًا لفقهاء الشافعية، يُعرّف عقد الزواج على أنه عقد يتضمن إباحة الوطء بواسطة ألفاظ تُشير إلى ذلك.
بينما يرى فقهاء المذهب المالكي أن الزواج يُعرف على أنه عقد يهدف إلى إشباع الرغبة دون إضافة أي شروط لوجود قوة معينة.
حكم تعدد الزوجات
تعدد الزوجات يعد من الأمور التي اختلف فيها الفقهاء. إلا أن الحكم الأساسي هو الجواز، كما يتضح من القرآن والسنة. ومن الآيات الدالة على ذلك قول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا).
كما تُعزز السنة النبوية هذه الجواز، حيث ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بأكثر من واحدة، وقد اجمع الصحابة على إباحة هذا الأمر. ويجب أن يُفهم أن التعدد له شروط وأحكام تختلف بناءً على سياقاته. وتتفاوت أحكام التعدد إلى الوجوب، التحريم، الكراهة، والاستحباب، والتي تتعلق بالأسباب المقصودة من التعدد. وفيما يلي تفصيل للحالات المختلفة:
- وجوب التعدد: يكون التعدد واجباً عندما يتطلب الأمر إنجاب نسل وحين تكون الزوجة الأولى غير قادرة على الإنجاب. يُحدد الزوج هنا حاجته وفقاً لوضعه، وقد يكون من الضروري أن يتزوج لتفادي الوقوع في المحرمات.
- استحباب التعدد: يتعين على الأفراد الراغبين في التعدد أن يمتلكوا القدرة المالية والجسدية، إضافة إلى القدرة على تحقيق العدالة بين الزوجات.
- ندب التعدد: يكون مستحباً في حالات معينة، مثل الرغبة في تقليل العنوسة أو حرمان النساء من الزواج.
- كراهية التعدد: يصبح التعدد مكروهاً إذا لم يكن هناك قدرة على تحقيق العدالة بين الزوجات.
- حرمة التعدد: يصبح التعدد محرماً في حال عدم القدرة المالية أو الجسدية على تحقيق الواجبات تجاه الزوجات.
الأصل في الزواج: التعدد أم الإفراد
تباينت آراء الفقهاء حول ما إذا كان الأصل في الزواج هو التعدد أو الإفراد. إليكم الآراء المختلفة مدعومة بالأدلة:
- الرأي الأول: يرى بعض العلماء أن الأصل في الزواج هو التعدد، وأن الإفراد استثناء. يستند هذا الرأي إلى قول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، مما يدل على أن التعدد هو القاعدة الأساسية.
- الرأي الثاني: يعتقد بعض الفقهاء أن الأصل في الزواج هو الإفراد. ويدللون على ذلك بقوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)، مما يشير إلى أن تحقق العدل بين الزوجات أمرٌ صعب، وبالتالي فإن الإفراد هو القاعدة.
الحكمة من تعدد الزوجات
لم يجئ تشريع التعدد في الإسلام فقط لإشباع الغرائز، بل لتحقيق مجموعة من الأهداف السامية تساهم في استقرار المجتمع. حيث استجاب التشريع لحاجة المجتمع أولاً ثم للفرد بعد ذلك. وفيما يلي بعض الحكم المتعلقة بتعدد الزوجات:
- تكثير سواد المسلمين: يشجع الإسلام على الزواج والتكاثر للحفاظ على قوة الأمة الإسلامية من خلال تعزيز فئة الشباب.
- مواجهة العنوسة: يساعد التعدد في تقليل فرص العنوسة في المجتمع، خصوصًا في حالات فقدان الرجال بسبب الحروب.
- الحد من المشاكل الأخلاقية: يساهم التعدد في تقليل الانزلاق نحو المحرمات مثل الزنا، ويحقق الأمان للنساء عبر الزواج الشرعي.