تسوية الصفوف في الصلاة
يولي الإسلام أهمية بالغة لتسوية الصفوف بين المصلين في صلاة الجماعة، مما يجعل هذا الأمر من الآداب الأساسية في المساجد. وقد وضّح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كيفية تسوية الصفوف، وأبرز فضلها وأهميتها. وقد اتفق العلماء على أن تسوية الصفوف في صلاة الجماعة تُعتبر سنة مؤكدة، حيث تقتضي عدم تقدّم أحد المصلين على الآخر في الصف الواحد، وتجنّب ترك المسافات الفارغة بينهم، مع الحفاظ على استقامة الصف بحيث يتوزع المصلون بمحاذاة بعضهم البعض في الأكتاف والأقدام، فلا يتقدم صدر على صدر، أو عنق على عنق، أو كتف على كتف.
وقد أوردت السنة النبوية تأكيداً لتلك الأهمية، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بيْنَ وُجُوهِكُمْ). كما نقل أبو مسعود البدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على أكتافنا في الصلاة ويقول: (اسْتَوُوا، ولَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ). تنص هذه الأدلة على أهمية تسوية الصفوف في صلاة الجماعة، حيث إن المخالف لهذه السنة يعتبر آثماً، إلا أن صلاته صحيحة ولا يترتب عليه إعادة إقامتها.
إضافة إلى ذلك، أعدّ الله -تعالى- لمن يلتزم بهذه السنة في صلاة الجماعة أجرًا عظيمًا، حيث ورد عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (من سدَّ فُرجةً رفعه اللهُ بها درجةً، وبنى له بيتًا في الجنة). كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خيارُكُم ألينُكُم مَناكبَ في الصلاة، وما مِن خطوةٍ أعظَمُ أجرًا مِن خطوةٍ مَشاها رَجلٌ إلى فرجةٍ في الصفِّ فسدَّها). وهذا الحديث يبرز تقدير المصلّي الذي يسعى لتسوية الصفوف وسد الفراغات بين المصلين، مما يدل على أن أفضل الناس هم من يقومون بتسوية الصفوف واستقامتها خلال أداء الصلاة بما يُرضي الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
كيفية تسوية الصفوف
تعد تسوية الصفوف في صلاة الجماعة جزءًا أساسيًا من الصلاة، حيث يجب أن يكون المصلون متراصين في الصف وعدم تقدّم أحدهم على الآخر. وقد قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فإنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِن تَمامِ الصَّلاة). ولتسوية الصفوف عدة خطوات نذكرها كما يلي:
- أولاً: يجب على الإمام أن يأمر المصلين بتسوية الصفوف عند الإقامة، ويُستحب له أن يتوجه بوجهه إلى المصلين، ويحثهم على ذلك بقوله: (أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وتَرَاصُّوا)، أو أن يقول: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله). ويجب على الإمام أن لا يبدأ الصلاة إلا بعد التأكد من تسوية الصفوف، إما أن يقوم بذلك بنفسه أو يُنيب شخصًا آخر لهذه المهمة.
- ثانيًا: تتطلب تسوية الصف بمُحاذاة كعبي ومناكب المصلين، بحيث لا يكون هناك تقدّم أو تأخّر. وكذلك يحظر أن تكون المحاذاة بناءً على رؤوس الأقدام، حيث إن رؤوس الأقدام تختلف من شخص لآخر، مما يؤدي إلى عدم تحقق التسوية المطلوبة. لذا، ينبغي التساوي في الصفوف بناءً على الأكتاف والأقدام.
أما تسوية الجالس على الكرسي فتكون بمحاذاته للمصلّي الواقف، بحيث يتم محاذاته للمُنَكب. ولا يصح للجالس أن يحاذي بكعبه، لتجنّب خروجه من الصف. وقد ورد عن النعمان بن بشير إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُسوّي صفوفنا، وعندما أخرج يوماً ورأى رجلًا يميل صدره إلى الأمام، قال: (لَتسَوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالفنَّ اللهُ بين وجوهكم)، مما يدل على حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على استقامة الصف وتأديته بالطريقة التي تُرضي الله -تعالى-.
- ثالثاً: يتوجب سدّ الفجوات بين الصفوف بحيث يتراص المصلون، حيث ينبغي أن لا يوجد فُرجة أو مسافة تدخل بينهم تسمح للشيطان بأن يدخل، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رُصُّوا صفوفَكُم وقاربوا بينَها وحاذوا بالأعناق، فَوالَّذي نَفسي بيدهِ إنِّي لأرَى الشَّيطانَ يَدخُلُ من خللِ الصَّفِّ كأنّه الحذَفُ).
- رابعاً: يجب إتمام الصفوف، ويتم ذلك بتعبئة الصف الأول ثم الثاني ثم الثالث مع ترك النقص في الصف الأخير، ولا يُسمح بالتوجه إلى صف جديد حتى يكتمل الصف السابق.
الحكمة من سنية تسوية الصفوف
تتعدد الحكم وراء تسوية الصفوف في صلاة الجماعة، ونستعرض بعضها فيما يلي:
- اقتداء بفعل الملائكة، حيث كانت الملائكة تُتم الصفوف الأول والثاني والثالث عندما تُصطف أمام الله -تعالى-، مما يمنح المصلين فرصة الاقتداء بهم خلال أداء الصلاة.
- تقوية الروابط بين قلوب المسلمين عند تجمعهم كتفًا لكتفٍ أثناء أداء الصلاة، والإحساس بالقرب من الآخرين في النظام الواحد.
- تحقيق السكينة والطمانينة في نفوس المؤمنين عند التراص لأداء الصلاة.
- دلالة على اهتمام المؤمنين بأداء العبادة التي أمرهم الله -تعالى- بها على أكمل وجه، حيث تنعكس استقامة المؤمنين في صلاتهم على حياتهم العامة.