تحليل قصيدة أبو العتاهية التي تتحدث عن مفهوم الزوال والتغيير في الحياة الدنيا

التحليل الموضوعي للقصيدة “لعمرك ما الدنيا بدار بقاء”

تأتي هذه القصيدة في سياق الزهد والحكمة، وهي الأغراض الشعرية التي تميز بها الشاعر العباسي أبو العتاهية. يُعتبر هذا الشاعر من أبرز شعراء الزهد والمواعظ والأمثال، حيث يسعى لمساعدة الناس أصحاب العقل والتقوى، موجهاً إياهم نحو الاعتبار بحقيقة الدنيا والزهد فيها، مُذكراً إياهم بالموت ومتحدثاً عن تقلبات الزمان وعدم استقراره.

التحليل الإيقاعي للقصيدة “لعمرك ما الدنيا بدار بقاء”

يمكن تلخيص التحليل الإيقاعي للقصيدة بالطريقة التالية:

الإيقاع الخارجي

تظهر القصيدة على البحر الطويل، مع حرف الروي (الهمزة) المكسورة، حيث نظم أبو العتاهية هذه القصيدة في عشرين بيتًا، والتي سيتم عرضها أدناه:

الإيقاع الداخلي

تتميز هذه القصيدة بتكرار بعض العبارات لتوضيح المعنى العام بها، كما هو مبين في البيت:

لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ

:::كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ

أَمامَكَ يا نَدمانُ دارُ سَعادَةٍ

:::يَدومُ النَما فيها وَدارُ شَقاءِ

تكررت كلمة (دار) خمس مرات، مما يشير إلى أهميتها ودلالتها في النص. ويقول أيضًا:

أَيا عَجَباً لِلدَهرِ لا بَل لِرَيبِهِ

:::تَخَرَّمَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ إِخاءِ

وَمَزَّقَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ جَماعَةٍ

:::وَكَدَّرَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ صَفاءِ

تكرار تركيب “ريب الدهر” ثلاث مرات في القصيدة، تحت أفعال ماضية (تخرم / مزق / كدر) مع عبارات (كل إخاء / كل جماعة / كل صفاء)، يعكس حجم المعاناة الناتجة عن ريب الدهر. كما يشير أيضاً إلى:

وَما الدَهرُ يَوماً واحِداً في اختِلافِهِ

:::وَما كُلُّ أَيّامِ الفَتى بِسَواءِ

وَما هُوَ إِلّا يَومُ بُؤسٍ وَشِدَّةٍ

:::وَيَومُ سُرورٍ مَرَّةً وَرَخاءِ

وَما كُلُّ ما لَم أَرجُ أُحرَمُ نَفعَهُ

:::وَما كُلُّ ما أَرجوهُ أَهلَ رَجاءِ

يفيد تكرار أسلوب النفي باستخدام (ما) في نفي بعض الافتراضات وإثبات حقائق معينة.

التحليل الفني (البلاغي) للقصيدة “لعمرك ما الدنيا بدار بقاء”

يمكن تلخيص التحليل الفني (البلاغي) للقصيدة كالتالي:

الأساليب الخبرية

تنوَّعت الأساليب المستخدمة في هذه القصيدة، إلا أن الأسلوب الخبري كان الأكثر استخداماً للتأكيد والتوضيح، ومن الأمثلة على ذلك قوله:

  • حَلاوَتُها مَمزوجَةٌ بِمَرارَةٍ

:::وَراحَتُها مَمزوجَةٌ بِعَناءِ

  • وَفي الناسِ شَرٌّ لَو بَدا ما تَعاشَروا

:::وَلَكِن كَساهُ اللَهُ ثَوبَ غِطاءِ

الأساليب الإنشائية

أما الأسلوب الإنشائي، فقد تجلى بشكل واضح من خلال أسلوبي القسم والنهي، كما يتضح في ما يلي:

  • لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاء.
  • فَلا تَمشِ يَوماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ.
  • فَلا تَعشَقِ الدُنيا أُخَيَّ فَإِنَّما.

التصريع

يظهر التصريع في توافق الحرف الأخير في شطري البيت الأول، مثل قوله:

لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ

:::كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ

الاستعارة المكنية

تشبيه ريب الدهر وقدرته على التكدير بإرادة الإنسان، حيث تم حذف المشبه به مع إبقاء بعض الخصائص المتعلقة مثل الإرادة، مثلما ورد: “وَكَدَّرَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ صَفاءِ”.

الطباق

تتجلى الأمثلة على الطباق كما يلي:

  • لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ

:::كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ

من خلال (دار بقاء / دار فناء).

  • حَلاوَتُها مَمزوجَةٌ بِمَرارَةٍ

من خلال (حلاوتها / مرارة).

نص القصيدة

قال أبو العتاهية:

لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ

:::كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ

فَلا تَعشَقِ الدُنيا أُخَيَّ فَإِنَّما

:::تَرى عاشِقَ الدُنيا بِجُهدِ بَلاءِ

حَلاوَتُها مَمزوجَةٌ بِمَرارَةٍ

:::وَراحَتُها مَمزوجَةٌ بِعَناءِ

فَلا تَمشِ يَوماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ

:::فَإِنَّكَ مِن طينٍ خُلِقتَ وَماءِ

لَقَلَّ امرُؤٌ تَلقاهُ لِلَّهِ شاكِراً

:::وَقَلَّ امرُؤٌ يَرضى لَهُ بِقَضاءِ

وَلِلَّهِ نَعماءٌ عَلَينا عَظيمَةٌ

:::وَلِلَّهِ إِحسانٌ وَفَضلُ عَطاءِ

وَما الدَهرُ يَوماً واحِداً في اختِلافِهِ

:::وَما كُلُّ أَيّامِ الفَتى بِسَواءِ

وَما هُوَ إِلّا يَومُ بُؤسٍ وَشِدَّةٍ

:::وَيَومُ سُرورٍ مَرَّةً وَرَخاءِ

وَما كُلُّ ما لَم أَرجُ أُحرَمُ نَفعَهُ

:::وَما كُلُّ ما أَرجوهُ أَهلَ رَجاءِ

أَيا عَجَباً لِلدَهرِ لا بَل لِرَيبِهِ

:::تَخَرَّمَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ إِخاءِ

وَمَزَّقَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ جَماعَةٍ

:::وَكَدَّرَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ صَفاءِ

إِذا ما خَليلٌ حَلَّ في بَرزَخِ البِلى

:::فَحَسبي بِهِ نَأياً وَبُعدَ لِقاءِ

أَزورُ قُبورَ المُترَفينَ فَلا أَرى

:::بَهاءً وَكانوا قَبلُ أَهلَ بَهاءِ

وَكُلٌّ رَماهُ واصِلٌ بِصَريمَةٍ

:::وَكُلٌّ رَماهُ مُلطِفٌ بِجَفاءِ

طَلَبتُ فَما أَلفَيتُ لِلمَوتِ حيلَةً

:::وَيَعيا بِداءِ المَوتِ كُلُّ دَواءِ

وَنَفسُ الفَتى مَسرورَةٌ بِنَمائِهَ

:::وَلِلنَقصِ تُنمي كُلُّ ذاتِ نَماءِ

وَكَم مِن مُفَدّاً ماتَ لَم أَرَ أَهلَهُ

:::حَبَوهُ وَلا جادوا لَهُ بِفِداءِ

أَمامَكَ يا نَدمانُ دارُ سَعادَةٍ

:::يَدومُ النَما فيها وَدارُ شَقاءِ

خُلِقتَ لِإِحدى الغايَتَينِ فَلا تَنَم

:::وَكُن بَينَ خَوفٍ مِنهُما وَرَجاءِ

وَفي الناسِ شَرٌّ لَو بَدا ما تَعاشَروا

:::وَلَكِن كَساهُ اللَهُ ثَوبَ غِطاءِ

Scroll to Top