أحكام صلح الحديبية
أبرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتفاقًا مع قريش عُرف بصلح الحديبية، وقد تضمن هذا الصلح أربعة بنود رئيسية، والتي سنستعرضها فيما يلي:
البند الأول
ينص البند الأول على عودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة دون أداء العمرة في ذلك العام، على أن يعودوا في السنة التالية لأداء العمرة، مع الإقامة في مكة لمدة ثلاثة أيام، دون أن يعترضهم أحد من قريش. واشتُرط في هذا البند أن تخرج قريش من مكة، وأن يحمل المسلمون سلاح الراكب فقط.
البند الثاني
ينص البند الثاني على وقف القتال بين المسلمين والمشركين لمدة عشر سنوات، مما يضمن للناس الأمن والسلام. كان لهذا البند أثر إيجابي كبير على المسلمين، الذين كانوا آنذاك في حاجة ملحة لتأسيس دولتهم ونشر رسالة الإسلام خارج الجزيرة العربية، وهو ما يتطلب بيئة آمنة بعيدًا عن الخوف والحرب.
البند الثالث
يسمح البند الثالث بانضمام أي من القبائل العربية إلى حلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفق رغبتهم، كما يسمح لأي قبيلة ترغب في الانضمام إلى حلف قريش بذلك. ويعتبر هذا البند بمثابة ميزة إضافية للمسلمين، إذ لم يكن بالإمكان في السابق انضمام أي قبيلة لحلف المسلمين نتيجة لهيمنة قريش وخوفهم.
البند الرابع
ينص البند الرابع على إعادة كل من جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل مكة مسلمًا دون إذن وليه، بينما لا يمكن لقريش إعادة من جاء إليها وهم مرتدون من المسلمين. على الرغم من أن هذا البند يبدو مفيدًا للمشركين، إلا أن تأمل المسلمين في هذا المبدأ يكشف عن فوائد كبيرة، منها:
- لن يعود إلى الكفار من بين المسلمين إلا من كانت في قلبه شبهة، وهذا ينفع المسلمين لأن تطهير المدينة من المنافقين يعد أفضل من بقائهم فيها.
- من الممكن أن يتسبب إرجاع من أسلم من أهل مكة في إحداث فوضى داخلها، مما يؤثر على قلوب البعض وقد يكون سببًا في إسلامهم، ولهذا فالأمر يشكل تهديداً للمشركين.
ردود فعل الصحابة تجاه بنود صلح الحديبية
لم يكن نظر الصحابة -رضي الله عنهم- إلى بنود صلح الحديبية على أنه نظرة مستقبلية، بل اعتبروا هذه البنود مجحفة لحقوقهم. وقد تجلى ذلك بوضوح في موقف عمر بن الخطاب، الذي قال: “فأتيت النبي الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ألست نبي الله حقًا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، فقلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟” ومع ذلك، انصاع الصحابة لأمر رسول الله وعرفوا أنه لا يتحدث من فراغ، وأن الله سيؤيده عاجلاً أم آجلاً.