تفسير: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا. يسعى العديد من المسلمين دائماً إلى فهم معاني السور القرآنية وأسباب نزولها والدروس المستفادة منها.
واحدة من هذه الآيات هي الآية الثانية والعشرون من سورة الأنبياء. لذا سنقدم تفسيرها وهدفيتها في هذا المقال.
تفسير الآية: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا)، هذه الآية من سورة الأنبياء أثارت اهتمام العديد من المفسرين، وذلك لأهمية ما تتضمنه من دلالات تنفي زيف مقولات المشركين. وفيما يلي تفصيل لكافة جوانبها:
- الهدف من نزول هذه الآية هو دحض ادعاءات تعدد الآلهة التي يروج لها المشركون.
- وتأكيد وحدانية الله عز وجل في الألوهية وفي الكون. وقد نزلت لنفي هذه الفكرة.
- قوله تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) تشير هنا إلى السماء والأرض.
- والخاطب هم المشركون، حيث يعني ذلك أنه إذا وُجد في السماء.
- وفي الأرض إله آخر غير الله، (لَفَسَدَتَا) كانت ستفسد هي ومن فيها من بني البشر.
- وذلك بسبب استحالة توافق الآراء، فكل إله سيكون له نظامه وفرضه.
- وبالتالي سيحدث تعارض في أفكاره، كل إله يسعى لفرض سلطته.
- وهذا قد يؤدي إلى نزاع بينهم لتحديد الإله الواحد، لذا وبحكمة الله تعالى.
- ولكي يسود النظام والانتظام، لم يتخذ له شريكاً في الألوهية أو ولداً. وقد أكد ذلك.
- في باقي الآية بقوله (فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، هنا يعبر عن علو.
- الله تعالى فوق وصف المشركين له، يقفز بمكانته كالإله الواحد القوي دون شريك.
تفسير القرطبي
قام الإمام شمس الدين القرطبي بتفسير الآية الثانية والعشرون من سورة الأنبياء، وفيما يلي ملخص لتفسيره:
- فسر القرطبي أن المعنى هنا، لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله للعبادة.
- لَفَسَدَتَا، وأوضح الكسائي وسيبويه أن كلمة “إلا” هنا تعني “غير”.
- وبذلك تم إعراب الاسم الذي تلاها بإعراب “غير”، كما ذكر.
- كذلك أشار إلى أن هناك فارق بين الأخ وأخيه، وأيضاً يتضمن ذكر الفرقدين.
- وقال سيبويه إنهم كانوا لينهلكوا لو كان هناك إنسان غير زيد بينهم.
- أما الفراء، فقد فسر “إلا” بمعنى سوى، أي لو كان هناك آلهة سوى الله.
- لَفَسَدَ أهلها، وفسرت أيضًا بمعنى، لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير.
- لأن لو أراد أحدهم شيئاً والآخر لا يُريده، سيكون أحدهما عاجزاً عن تحقيق رغبته.
- ولذلك، يقول هنا “لفسدتا” بمعنى خربت أو أهلكت كل من فيها بسبب الاختلاف.
- لذا سبحان الله، نزه نفسه عن كون له شريك إلهي، وطلب من عباده أن ينزهوا.
تفسير السعدي
يعد الشيخ عبد الرحمن السعدي من أبرز مفسري القرآن الكريم، حيث يتميز تفسيره بالوضوح والسهولة. وقد فسر هذه الآية كما يلي:
- (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
- (لَوْ كَانَ فِيهِمَا) أي في السماوات والأرض، (آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا) بمعنى.
- فسد كل من فيها من الكائنات، بل حتى هما أيضاً، والدليل على ذلك.
- هو أن العالم العلوي والسفلي في أكمل حالاته وله نظامٌ صالح، ولا يشوبه أي خلل.
- ولا تتعارض فيه رغبات أو قوانين، وذلك لأن الكون مدبر بإله واحد.
- ولكن إذا حدث العكس وكان هناك إلهان، ماذا كان سيحدث إن اختلفا؟
- إذا أراد أحدهما شيئاً والآخر لا يريد، فمن المؤكد أن لن يتفقا.
- نتيجة لذلك، سيحقق ما يريده أحد الإلهين على حساب الآخر، وسيكون الآخر عاجزاً.
- سيحدث تنازع بينهم، وسينتهي ذلك إلى اختلال توازن الكون.
- وهذا دليل على أن الله هو الواحد القهار، فقط هو من ينفذ إرادته، وليس لديه ما يمنعه.
- أكد على ذلك في دليل التمانع في قوله تعالى في سورة الإسراء، (قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ).
- كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا* سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا).
- وفي سورة المؤمنين، (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إله ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ
- وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وهكذا نزه الله وقدس نفسه.
- (فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فهو الله الكامل الوحيد، إله الكون بكل ما فيه.
تعريف مفردات آية: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا
بعد توضيح تفسير هذه الآية الكريمة وبعض تفاسير العديد من الأئمة، نقدم توضيح معاني المفردات الواردة في الآية:
- (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
- آلهة: جمع كلمة إله، والمقصود هنا هو الله، لكن قديماً كان يُطلق على الأصنام.
- التي آمن بها الوثنيون، وذلك اعتقاداً خاطئاً بأن عبادتهم تصلح وتعتبر مقبولة.
- لفسدتا: الفساد لفظياً يعني كل ما هو ضد الصلاح، مثل الانحلال والانحراف والانهيار.
- سبحان: تنزيه، ويعني هنا تنزيه الله عن كل وصف يُنسب إليه من قِبلهم، فهو أكمل.
- لا يليق وصفه بشيء فيه نقص، فالتنزيه هو من لغة التسبيح.
- العرش: في اللغة يعني سرير المُلك، ولكنه هنا يُشير إلى عرش الله، وهو أعلم به.
متى نزلت سورة الأنبياء وما الحكمة من نزولها؟
سميت بسورة الأنبياء لكثرة الأنبياء الذين تم ذكرهم فيها. وفيما يلي معلومات حول وقت نزولها وحكمتها:
- هي سورة مكية، تتألف من مئة وثنتي عشرة آية. ترتيبها في المصحف هو الحادية والعشرون.
- تقع في الجزء السابع عشر من المصحف، وقد نزلت بعد سورة إبراهيم وبدأت بالفعل الماضي.
- تتضمن العديد من المقاصد، فقد نبه الله فيها إلى أهمية الحشر والبعث وأثبت حقيقتهما.
- أظهرت أحوال الأمم السابقة وما حل بهم من عقوبات نتيجة تكذيبهم للرسل.
- كما أثنى الله فيها على الأنبياء والرسل وكل من اتبع نهجهم واهتدى.
- وبينت السورة الكريمة أننا يجب ألا نغتر بحبل الأمان لمجرد تأخير العقاب على المذنبين.
- واستشهدت بما حدث للأمم السابقة والعذاب الذي حل بهم فجأة.
- شددت هذه السورة على أهمية القرآن الكريم وفضله الكبير وأهمية الاقتداء به.
- والحكمة من نزولها ترتبط بتحذير الله عز وجل لكل من يكذب به أو يشرك معه في الألوهية.
- ولذلك حذرت من التكذيب به أو برسله، فالله الواحد الأحد لا شريك له.
ما معنى دليل التمانع المذكور في سورة الأنبياء؟
دليل التمانع هو برهان عقلي ومنطقي يثبت وحدانية الله عز وجل، وفيما يلي توضيحات حول ذلك:
- يتكون هذا الدليل من استدلالين رئيسيين، الأول هو التجانس والتماثل والملاءمة.
- في الكون والخَلْق، والثاني هو الانتشار المحتمل للفساد والفوضى في الكون إذا كان يحكمه أكثر من إله.
- وبما أن الكون مستقر ولا يوجد به خلل أو اضطراب واضح، فإن القوانين واحدة وبالتالي تحكم الجميع.
- وبهذا المنطلق، يُعتبر من المنطقي أن يكون هناك إله واحد يحكم استقرار الكل، وهو منشئ الكون وخالقه.
- دليل التمانع يظهر بوضوح في الآيات الكريمة من القرآن، كما في الآية الثانية والعشرون من سورة الأنبياء.
- وأيضاً في الآية الثانية والأربعين من سورة الإسراء، والآية الواحدة والتسعين من سورة المؤمنين.
- جميع هذه الآيات تهدف إلى التأكيد على أنه لا يوجد إله يدبر ويخضع له أي شيء يستحق العبادة سوى الله الواحد الأحد.