تحليل قصيدة المتنبي “واحر قلباه”: فهم عميق لمشاعر الشاعر وأفكاره

التحليل الموضوعي لقصيدة المتنبي (واحر قلباه)

تُعتبر هذه القصيدة تعبيرًا شعريًا عميقًا، حيث تمثل تجربة إنسانية صادقة أظهرها المتنبي في علاقته مع سيف الدولة الحمداني. تميزت القصيدة بالمعاني القوية والعبارات المحكمة التي تتلاءم مع موضوعها. كما احتوت على العديد من الخصائص الفنية، مثل عمق المعاني، والتفصيل والتحليل، وتوليد المعاني، ودمج الصور بشكل مبدع.

يتضح في النص الشعري فخر الشاعر بنفسه، حيث يظهر كفارس ذو طموح، وشاعر وأديب عظيم يكاد يضاهى الأمير في ثقته واعتزازه بنفسه. أما العاطفة السائدة في القصيدة، فهي خليط من الثقة والفخر مع شعور بالعتاب والحزن بسبب تدهور علاقته بسيف الدولة. ومن ذلك قوله:

سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلسُنا

بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ

أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي

وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ

أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها

ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها وَيَختَصِمُ

يا مَن يَعِزُّ علينا أن نُفارقهم

وِجْدانُنا كل شيءٍ بعْدَكُم عَدَمُ

ما كان أخلقنا منكم بتَكرمَةٍ

لو أنَّ أمرَكُمُ مِن أمرِنا أمَمُ

التحليل الفني لقصيدة المتنبي (واحر قلباه)

فيما يلي تحليل فني لقصيدة “واحر قلباه” للمتنبي:

الاستعارة

استخدم المتنبي في قصيدة “واحر قلباه” أنواعًا متعددة من الاستعارات، حيث برزت الاستعارات المكنية بشكل خاص. عكست هذه الاستعارات معاناته من فراق سيف الدولة وتأثير كلام الحسّاد السلبي عليه. تجسد هذه المعاني القوية من خلال الأبيات التالية:

واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ

وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي

وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ

الكناية

استفاد المتنبي من استخدام الكناية ليدل على بعض الصفات الحسية والمعنوية، مما ساعده في تأكيد المعنى المقصود عبر الكلمات. ومن الأمثلة على ذلك قوله “أخي الدنيا”، حيث تعبر عن خبرته الواسعة في الحياة، ويظهر ذلك بشكل جلي في البيت التالي:

وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ

إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ

الرمز

يستخدم الشاعر الرمز للإيحاء بشيء ما بطريقة غامضة، مما يثير فضول المتلقي. ولقد اعتمد المتنبي على الرموز في عدة مقامات في القصيدة ليعبر عن مشاعره غير المباشرة، ومنها استخدامه كلمة “الشحم” للدلالة على الحساد الذين يتظاهرون بحب سيف الدولة الحمداني:

أعيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً

أن تَحْسبَ الشَّحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ

التحليل الإيقاعي لقصيدة المتنبي (واحر قلباه)

وفيما يأتي تحليل إيقاعي لقصيدة “واحر قلباه” للمتنبي:

الموسيقا الخارجية

تشمل الموسيقا الخارجية في القصيدة العناصر التالية:

التحليل الإيقاعي

تنتمي قصيدة “واحر قلباه” إلى البحر البسيط، بينما كانت قافيتها قافية مطلقة، وهي من نوع المتراكب، بمعنى أنها تنتهي بثلاث حركات بين ساكنين. حيث تخلو القصيدة من الردف والتأسيس، مما يجعلها تعكس حالة الشاعر. صدق العواطف هو عنوان القصيدة ومفتاحها، وحرف الروي هنا هو “الميم”، والذي يعكس التوازن المطلوب للموضوع.

الترصيع

ظهر الترصيع بوضوح منذ بداية القصيدة، حيث تتوازى كلمة “شبم” مع “سقم”. يتوافق آخر الصدر في البيت مع آخر العجز، مما يخلق نوعًا خاصًا من الموسيقا الداخلية التي تتناغم مع عواطف المتنبي القوية تجاه سيف الدولة، ومن أبرز الشواهد قول المتنبي:

واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ

وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي

وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ

الموسيقا الداخلية

تشمل الموسيقا الداخلية في القصيدة ما يلي:

الأصوات المجهورة والمهموسة

تتوزع الموسيقا الداخلية في النص من خلال الأصوات المهموسة والمجهورة، حيث يتبين أن الأصوات المجهورة تفوق الأصوات المهموسة، نظراً لما تحمله من عواطف صادقة. تعكس الأصوات المجهورة ظلّ المعاناة والألم بسبب الجفوة مع سيف الدولة بعد الصداقة القوية. تظهر هذا التعابير الصوتية في الأبيات التالية:

إن كانَ يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ

فليتَ أنَّا بِقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنَعَتْ

لكَ المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ

يا مَن يَعِزُّ علينا أن نُفارقهم

وِجْدانُنا كل شيءٍ بعْدَكُم عَدَمُ

التكرار

يتجلى التكرار في القصيدة بشكل يعكس نفسية المتنبي ومشاعره. يحمل التكرار مقاصد متعددة، حيث يتضمن العتاب والفخر والسخرية منها، ويعكس نمط شعره بارع البناء. كما يظهر تكرار الوزن الصرفي (فعلن) لتكون القصيدة غنية بالنغمات المؤثرة.

Scroll to Top