المذهب الواقعي وأثره على فهم طبيعة المعرفة

طبيعة المعرفة في الفلسفة الواقعية

برز الاتجاه الواقعي في الفلسفة كرد فعل للاتجاه المثالي، الذي يرجح أسبقية الميتافيزيقيا أو الروح على المادة. ومع ذلك، يُعرف المذهب الواقعي بأنه يتسم بالمادية في أنطولوجيته، حيث ترتبط رؤيته للوجود بالعالم المادي المحيط بالإنسان دون الاعتماد على مقولات ميتافيزيقية، روحانية أو دينية. وقد تم تأسيس نظرية المعرفة في الإطار الواقعي من خلال ما يُعرف بالأبستمولوجيا، وتطورت هذه النظرية على أيدي عدد من الفلاسفة البارزين.

أسس نظرية المعرفة في المذهب الواقعي

تعود جذور المعرفة في المذهب الواقعي إلى الفلسفة اليونانية، وبالتحديد إلى أرسطو. وقد اختلف مع أفلاطون، برغم تأثره ببعض جوانب مثاليته. يمكن تلخيص نظرية المعرفة لدى أرسطو في النقاط التالية: يعتبر أرسطو الحواس كالمبدأ الرئيسي والأساسي للمعرفة، إلا أنها تقدم لنا معارف قد تبدو مشوشة ومتفرقة. من هنا، يتضح أن أرسطو اعتبر أن دور العقل هو تنظيم هذه المعارف وتنميطها وتفسيرها للوصول إلى نتائج نهائية.

  • الحواس كنافذة لفهم الواقع

تشكل الحواس نافذة الإنسان لفهم الواقع من حوله. وقد عرّف أرسطو النفس باعتبارها الكمال الأول لجسم يمارس الحياة، مما يبرز تأثير العلوم الطبيعية في فلسفته، حيث كان أرسطو عالماً في البيولوجيا وطبيبًا.

  • الإدراك بالقوة

يعتقد أرسطو بوجود استعدادات طبيعية في الإنسان نحو المعرفة، وهذه الفكرة نتيجة لمفهومه عن الوجود بالقوة والوجود بالفعل. يعبر الإحساس عن تلك المادة التي تتشكل في القوة الحسية، ويتم الإدراك الحسي وفق التمييز بين القوة والفعل، حيث يتحول الاستعداد الحسي إلى وجود يتمتع بالفعل.

  • موقفه من الإدراك الداخلي

تبنى أرسطو وجهة نظر معينة تجاه الإدراك الداخلي، ورأى أنه يمثل المرتبة الثانية من الإدراك الحسي. من خلاله يمكن دمج المدركات المكتسبة عبر الحواس، حيث يتناول الحس المشترك والتخيّل. الحس المشترك يختص بالإحساس بالذات الإنسانية تجاه الأشياء عبر الوسائط، ويستند إلى مرتبة أعلى من الحواس الخمس، بينما يعتبر التخيل الكفاءة التي يتعامل بها الإنسان، بحسب أرسطو.

  • قبوله للعقل

لم يهمش أرسطو العقل، بل اعترف بدوره، حيث أثار هذا الأمر نقاشات واسعة بين الفلاسفة اللاحقين حول تفسير رأي أرسطو في العقل ومكانته في المعرفة. تشير الأدلة إلى أن أرسطو اعتبر العقل كاستعداد أو وعاء يجمع الصور المكتسبة، وهو شرط جوهري للمعرفة.

تطور نظرية المعرفة في الاتجاه الواقعي في العصر الحديث

يمكن اعتبار المنجزات العلمية كعامل رئيسي في تطوير نظرية المعرفة خلال العصر الحديث، في محاولة للحد من التأثيرات العقلانية والمثالية الميتافيزيقية. اُعتبر جون لوك رائد الفلاسفة التجريبيين والواقعيين عندما أكد في بداية أبحاثه أن ما دعا له التيارات العقلانية، خاصةً في فلسفة ديكارت، بشأن وجود أفكار فطرية غير صحيح. بالنسبة للوك، يُنظر إلى العقل كصفحة بيضاء يولد بها الإنسان بلا أي معارف مسبقة.

أسس لوك نظريته حول طبيعة المعرفة على فرضية أنه لو كانت المعرفة السابقة موجودة لما احتاج الإنسان إلى البحث عنها عبر الحواس والتجربة. ويقول لوك: “للحصول على المعرفة الصحيحة، ينبغي للإنسان توجيه تفكيره نحو الطبيعة الثابتة للأشياء وعلاقاتها الدائمة، بدلاً من استدراج الأشياء إلى أذهاننا”.

يمكن تحليل معاني المعرفة عند لوك من خلال تصنيفها إلى نوعين: المعاني البسيطة، التي تُكتسب عبر التجربة الظاهرة والباطنة، والمعاني المركبة، التي تستند إلى التفكير بمعاني بسيطة. وتنقسم المعاني البسيطة إلى ثلاثة أقسام كما يلي:

  • المعاني المحسوسة بواسطة الحواس الظاهرة.

يمكن التعرف عليها من خلال صفات الأشياء مثل الخشونة والبرودة.

  • المعاني المُدركة من الباطن.

ترتبط هذه المعاني بالانتباه، الذهن، الذاكرة والإرادة.

  • المعاني المحسوسة والمدركة من الباطن.

تشمل مفاهيم مثل الوحدة والوجود، والألم واللذة. ويبرز لوك أهمية الألم واللذة كعناصر مرتبطة بجميع معاني الإنسان الظاهرة والباطنة، بينما تنجم الوحدة والوجود عن مؤثرات خارجية.

Scroll to Top