من حيث التوقيت
يُقسم وقت الرمي إلى قسمين: أحدهما يتعلق ببيان بداية وقت الرمي، والآخر يتعلق بوقت نهايته، وسأوضح ذلك فيما يلي:
أول وقت الرمي
تباينت آراء أهل العلم حول بداية وقت رمي جمرة العقبة الكبرى إلى قولين رئيسيين، وهما:
- القول الأول: يبدأ وقت رمي جمرة العقبة الكبرى منذ منتصف ليلة العيد.
وهذا ما يؤكده الشافعية والحنابلة، حيث استندوا إلى فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما أرسل زوجته أم سلمة يوم العيد، ورمت قبل الفجر.
- القول الثاني: يبدأ رمي جمرة العقبة الكبرى عند طلوع فجر يوم العيد.
وهذا هو رأي الحنفية والمالكية، وعلى رواية عن الإمام أحمد، واستندوا إلى حديث ابن عباس -رضي الله عنه- الذي ذكر فيه: “قدِمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة، فاجتمعنا على حمراتنا، فقال: لا تَرْمُوا الجَمرة حتى تَطلُع الشمس. فقال ابن عباس: ما أظن أحدًا يرمي الجَمرة حتى تَطلُع الشمس.” والملاحظ هنا أن النحر يبدأ بعد الفجر، ولذا يكون الرمي أيضًا بعد الفجر.
أما بالنسبة لبداية رمي الجمرات الثلاث، فقد اختلفت الآراء فيها إلى قولين:
- القول الأول: يبدأ الرمي بعد زوال الشمس.
وهو ما يتفق عليه أئمة المذاهب الأربعة، مستندين إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة كانوا لا يرمون إلا بعد الزوال؛ كما يروي ابن عمر -رضي الله عنهما- قائلاً: “كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا.”
- القول الثاني: يجوز رميها قبل الزوال.
وقد ذُكر ذلك عن الإمام أبي حنيفة، حيث روي عن الحسن أنه إذا كان الشخص ينوي التعجل، فلا حرج عليه أن يرمي في اليوم الثالث قبل الزوال، ولكن يفضل أن يرمي بعده.
آخر وقت الرمي
تعددت آراء الفقهاء حول الوقت الذي ينتهي فيه رمي جمرة العقبة الكبرى، وفيما يلي بيان الأقوال:
- الحنفية:
يرى الحنفية أن وقت رمي جمرة العقبة الكبرى ينتهي عند فجر يوم الحادي عشر من شهر ذي الحجة.
- المالكية:
يعتبر المالكية أن وقت الرمي يمتد إلى مغرب نفس اليوم، وفي حال التأخر عن هذا الوقت، يُوجبون الدم.
- الشافعية والحنابلة:
يفيد الشافعية والحنابلة أن وقت الرمي يستمر حتى آخر أيام التشريق.
أما عن انتهاء وقت رمي الجمرات الثلاث خلال أيام التشريق، فتفصيل الآراء كالتالي:
- الحنفية:
يعتبر الحنفية أن رمي الجمرات الثلاث يجب أن يُسجّل كل يوم ويستمر حتى طلوع الفجر في اليوم التالي، بمعنى أن الرمي في اليوم الثاني من العيد يستمر حتى طلوع الفجر من اليوم الثالث. ومن أخَّر الرمي عن هذا الوقت، يجب عليه الدم. كما أن الوقت المفضل للرمي هو من زوال الشمس وحتى غروبها، وقد استندوا إلى فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك.
- المالكية:
تميل المالكية إلى التفريق بين وقت الأداء وقضاء الرمي؛ حيث إن وقت الأداء ينتهي مع غروب كل يوم، وما بعد ذلك يُعتبر قضاء، وينتهي الرمي في اليوم الرابع من العيد، ويُوجب الدم إذا تُركت حصاة واحدة، أو إذا تُركت جميع الجمرات، أو في حال تأخير شيء من الرمي حتى الليل.
- الشافعية والحنابلة:
يرى الشافعية والحنابلة أن وقت الرمي يمتد حتى غروب الشمس في اليوم الرابع من العيد، وهو آخر أيام التشريق. ومن أخَّر الرمي عن ذلك، يتوجب عليه الفداء.
من حيث عدد الحصيات
اتفقت آراء العلماء على أن مجموع ما يرميه الحاج من حصيات يبلغ سبعين حصاة. حيث تُرمي جمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات، بينما تُرمى الجمرات الثلاث (الجمرة الصغرى، الجمرة الوسطى، والجمرة الكبرى) على مدار ثلاثة أيام، وهي أيام التشريق.
وبذلك تُرمي كل جمرة بسبع حصيات في كل يوم، مما يجعل مجموع الجمرات الثلاث في اليوم الواحد إحدى وعشرين حصاة، ولكل جمرة على مدار الأيام الثلاثة إحدى وعشرين حصاة. ويُشار هنا إلى أنه يجوز للحاج أن يرمي في يومين وينفر في اليوم الثالث؛ كما ورد في قوله -تعالى-: “فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.”
من حيث موقع الرمي
تُرمى جمرة العقبة في يوم النحر في موقع يقع خارج منى من جهة مكة المكرمة، وتُرمى الأمر من أسفل أو أوسط أو أعلى العقبة. أما الموضع المختار فهو من بطن الوادي. وبالنسبة للجمرات الثلاث، فلكل واحدة منها موقع يختلف عن الأخرى؛ حيث تكون الجمرة الصغرى، وهي الأولى، الأقرب إلى مسجد الخيف.
في حين تُعتبر الجمرة الوسطى، وهي الثانية، بين الجمرة الصغرى وجمرة العقبة. ويمكن رمي كلتيهما من أي اتجاه، على الرغم من أن الفقهاء ذكرت أن الأفضل أن يقف الرامي ومنا عن يمينه ومكة عن يساره، تقيدًا بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
من حيث مكان التقاط الحصى
تُلتقط حصيات جمرة العقبة التي تُرمى يوم النحر من موقع يُسمى مزدلفة؛ وأُثبِت ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام- للفضل بن عباس في مزدلفة: “الْقِطْ لِي حصى، فلقَطْتُ له حصيات مثل حصَى الخَذَفِ.” أما بالنسبة للجمرات الثلاث، فقد اتفق الفقهاء على صحة الرمي دون الاعتماد على المكان الذي تم أخذ الحصيات منه.
مع ذلك، يُفضل الشافعية التقاط الحصيات من مكان غير مزدلفة. ويذهب بعض الحنفيّة إلى أنه يُفضل أن يأخذ الحاج الحصيات من مزدلفة، حيث يأخذ معه سبعين حصاة، بينما ذهب آخرون إلى أنها تُلتقط من جانب الطريق، أما المالكيّة فمن رأيهم أنه يجوز أخذها من أي مكان. وأخيرًا، يفضل معظم الحنابلة أن يتم أخذها من مزدلفة.
من حيث استحباب الدعاء
يُستحب إطالة الدعاء بعد الانتهاء من رمي الجمرتين الصغرى والوسطى، دون الكبرى، ويكون الوقوف بمقدار قراءة سورة البقرة. وتترتب الحكمة هنا على أن الدعاء بعد رمي الجمرة الكبرى لا يُعتبر مستحبًّا كونها الجمرة الأخيرة، حيث تُنهي عبادة الرمي. ومن الجدير بالذكر أن الدعاء في وسط العبادة يُفضل أكثر من الدعاء بعد الانتهاء منها.
كذلك، لا يُستحب للمدعو أن يقف بعد رمي جمرة العقبة الكبرى، لأن الوقوف يكون فقط إذا كان الرمي يتبعه رمي جمرة أخرى. بينما يتبع رمي جمرة العقبة الكبرى النحر والطواف، ولا يتبعها أسلوب رمي آخر.