إثبات دخول شهر رمضان
يعتبر دخول شهر رمضان متعلّقًا برؤية الهلال بعد مغرب الشمس، ويُعرف هذا النظام بالشهر الهجري أو الشرعي. تعتمد الأشهر القمرية على الهلال وتكون مدتها إما تسعة وعشرين أو ثلاثين يومًا، وقد تتوالى الأشهر كاملاً أو ناقصاً مرة أو مرتين. يظهر الشهر القمري من لحظة ميلاد القمر وينتهي عند ولادته مجدداً، بينما يبدأ الشهر الهجري عند رؤية الهلال ويستمر حتى رؤيته مرة أخرى. ومن الجدير بالذكر أن ولادة القمر تحدث في لحظة الاقتران المركزي، حيث تتواجد الشمس والأرض والقمر ضمن خط عمودي واحد، ويكون القمر في تلك اللحظة محاقًا. يظهر الهلال بعد ولادة القمر بعد مرور ما يقارب من أحد عشر إلى تسع عشرة ساعة، ويُشير هذا إلى عمر القمر، والذي يبدأ من لحظة ولادته حتى ظهوره في الشهر نفسه.
الرؤية البصرية للهلال
تُعرَف الرؤية بأنها قدرة العين على إدراك الشيء المرئي، وتُعتبر رؤية الهلال شرطًا أساسيًا في إثبات دخول شهر رمضان، وذلك وفقًا لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا”.
كيفية إثبات الرؤية البصرية
يتم إثبات دخول شهر رمضان عند رؤية شاهد عادل لهلال الشهر بعد مغرب الشمس في ليلة الثلاثين من شهر شعبان. ويشترط أن تكون الرؤية بالعين المجردة دون الحاجة إلى أية وسائل مساعدة، كما تُعتبر العدالة في الشاهد واضحة، بحيث لا يُعهد عنه الفسق. وليس من الضروري أن يتمتع الشاهد بالتقوى، ويجب أن تكون الشهادة بلغة واضحة، مثل “أشهد أني رأيت الهلال” أو “أنّه أهلّ”. في حال شهد عدد كبير من الناس، يُعتبر تلك رؤية الاستفاضة، والتي تُعرف بأنها رؤية جماعة تزيد عن ثلاثة أشخاص، مما يُثبت دخول رمضان، ويجب أن يكون الشهود جماعة لا يُشك في صدقهم. ولا يشترط فيهم الأهلية والعدالة مثلما هو مطلوب في الشاهد الواحد، خاصةً إذا كانت الأجواء صحوة ولا تعوق رؤية الهلال. وقد صرّح بذلك الحنفية في إثبات شهري شوال ورمضان، وأشار المالكية إلى عدم شرط الصفاء في الأجواء، في حين لم يتطرق الحنابلة والشافعية لهذه النقطة.
إثبات دخول الشهر برؤية الشاهد العادل الواحد
تباين الفقهاء في اعترافهم بدخول رمضان بشهادة رجل عادل كما يلي:
- الحنفية: يُشدد لديهم على أنه يتم إثبات دخول الشهر برؤية شاهد عادل حتى في حالة وجود الغيوم.
- المالكية: الرأي الشائع لديهم أن شهادة الواحد لا تكفي لإثبات دخول الشهر.
- الشافعية: اختلفوا بين قبول الشهادة وعدم قبولها، ولكن الرأي المشهور بينهم هو قبول شهادة الواحد لإثبات دخول الشهر.
- الحنابلة: يؤمنون بقبول شهادة الواحد في إثبات دخول الشهر، ويجب على الناس أن يصوموا بناءً على شهادته.
جدير بالذّكر أن شهادة المرأة تُقبل عند الحنفية والحنابلة في إثبات الشهر، بينما يُمنع ذلك عند المالكية والشافعية.
إثبات دخول الشهر برؤية شاهدين عدلين
تباين الفقهاء في إثبات دخول شهر رمضان من خلال رؤية شاهدين عدلين كالتالي:
- الحنفية: يفرقون بين الأجواء الصافية والمغيمة، حيث هي تحتسب شهادة واحد عادل في حالة الغيم، بينما يشترطون شهادة جماعة في حالة صفاء الجو.
- المالكية: يُطلب منهم شهادة رجلين عدلين في ثلاث حالات:
- الأولى: في حالة وجود الغيم.
- الثانية: إذا كانت السماء صافية وكان المكان صغيرًا.
- الثالثة: في حالة صفاء الجو واختلاف حجم المكان، حيث تتباين الآراء حول قبول الشهادة.
- الشافعية: يتفقون على ضرورة وجود شهادة رجلين عدلين لإثبات دخول الشهر.
- الحنابلة: يُثبتون دخول الشهر برؤية رجلين عدلين دون أي تنازع في ذلك.
اعتبار وحدة المطالع واختلافها
المطلع يُعرف بأنه المكان الذي يظهر منه القمر، والذي يكون ظاهراً للأعين وقت مغرب الشمس. يشير إلى تأثير ذلك الهلال في بداية دخول أول ليلة من الشهر القمري. وقد اتفق الفقهاء على أن اختلاف مطالع الهلال هو من الأمور الثابتة شرعًا، وهي ظاهرة كونية مُلاحظة. ويتعلق اتّحاد المطالع واختلافها بوقت غروب الشمس وطلوعها في مناطق معينة. وقد اختلف الفقهاء في اعتبار اختلاف مطالع الهلال في تحقّق الشهر بالنسبة لجميع المسلمين، أو إن كان مقتصرًا على البلد الذي رأى الهلال فقط، وبرزت بعض الآراء كما يلي:
- القول الأول: يعتبر اختلاف المطالع غير هامة، يجب على كافة البلدان الصيام عند رؤية الهلال في بلد معين، وهو رأي يُنسب إلى بعض الحنفية، والمشهور عند المالكية والحنابلة، وأيضًا يعبر عنه بعض الشافعية.
- القول الثاني: يعتد باختلاف المطالع بشكل مطلق، حيث يلزم كل بلد بالصوم عند رؤية الهلال، وهو ما يُنسب إلى المغيرة وبعض العلماء الذين قالوا إن ذلك كان رأي ابن عباس.
- القول الثالث: يأخذ في الحسبان المسافة بين المطالع، حيث يجب أن تصوم البلاد القريبة عند رؤية الهلال، بينما البلدان البعيدة لا يلزمها ذلك. وهو الرأي المعتمد عند الشافعية، ولهم اختلافات في تحديد معايير القرب والبعد.
في حال عدم الرؤية البصرية
أطلق النبي -عليه الصلاة والسلام- على عدم القدرة على رؤية الهلال في الليلة التاسعة والعشرين من شهر شعبان اسم (الغمّ)، حيث وجود غيوم وسحب تحجب الرؤية، مما يجعل من الواجب إكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا. ويكون الصيام في اليوم الذي يليه، سواء تم رؤية الهلال أم لا، أو في حالة وجود الغيوم من عدمها. وقد جاء في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “إن رسول الله ذكر رمضان، فضرب بيديه، وقال: الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، ثم عقد إبهامه في الثالثة، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فاغدوا له ثلاثين”.
الحساب الفلكي في إثبات الشهر
الجواز المطلق للاعتماد على الحساب الفلكي
يعتقد بعض العلماء بخصوص جواز الاستئناس بالحساب الفلكي لبدء الصيام، وقد نُسب هذا الرأي إلى عدة علماء مثل الإمام الشافعي ومطرف بن عبدالله ومحمد بن مقاتل الرازي. من بين الأوائل الذين أبدوا هذا الرأي كان ابن سريج من الشافعية، حيث أجاز اعتماد الحساب في حالة وجود الغيوم، وخير الإمام السبكي هذا الرأي، ودعم هذا الاتجاه الشيخ مصطفى الزرقا. وقد أشار الشيخ يوسف القرضاوي إلى أهمية اعتماد الحساب الفلكي الذي يُفترض في حال عدم رؤية الهلال، مع الاحتفاظ بوجوب رؤية الهلال للصيام، ولكن إذا أثبت الحساب عدم الرؤية، لا تُقبل شهادة الشهود.
استند هؤلاء إلى دليل حديث (فاقِدِروا له) لتوجيهها لأهل الاختصاص. بالإضافة إلى ذلك، استندوا إلى حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أن الأمة أمّية، ولا تستطيع الكتابة ولا الحساب، مشيرين إلى أن الشهور تتبدّل بين تسعة وعشرين وثلاثين. وبالتالي، يعتبرون أن اكتساب الأمة للعلم المثبت يُجيب بأن بإمكانها الاعتماد على الحساب في إثبات بدايات الشهور.
كما اعتبر بعض العلماء اعتماد الحساب الفلكي شرطين وهما:
- الأول: وجود إخطار من مجموعة موثوقة من عُلماء الحساب، الذين يُؤمن على دينهم، بحيث يتفقون على صحة الحساب.
- الثاني: أن تكون هذه الحالة أثناء وجود غيوم في السماء، وليس في حالات الصفاء.
المنع من الاعتماد على الحساب الفلكي
من جهة أخرى، هناك بعض الفقهاء الذين يرى عدم أهمية الحساب الفلكي في صيام رمضان، وهو الرأي المُعتمد عند الحنفية والمالكية والشفاعية. وذُكر أن الإمام النووي أكد أنه يجب التحقق من دخول الشهر من خلال إحدى طريقتين؛ إما برؤية الهلال، أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا، دون اعتداد بالطرق الأخرى. وقد استدلوا بحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: “فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن أُغمي عليكم فاحسبوا له ثلاثين”، حيث أنحصر إثبات الصيام في هذين النوعين، دليلاً على نفي ما سواهما.
الهامش
* المحاق: هي لحظة من مراحل القمر حين يكون غير مرئي، وتحدث هذه الظاهرة في بداية الشهر الهجري ونهايته.