بحث عن تاريخ تطور الدواوين في العالم العربي

تاريخ نشأة الدواوين

نشأت الدواوين كرد فعل لاحتياجات المسلمين في مجالات التنظيم الإداري والعسكري والمالي. في بداياتها، كانت هذه الدواوين بسيطة ومحدودة، لكنها تطورت بشكل سريع لتلبية الظروف المتغيرة في الدولة. تُعتبر كلمة “ديوان” مستمدة من اللغة الفارسية وتعني السجل أو الدفتر، حيث كانت تُستخدم لتدوين أسماء الجنود والمستفيدين من العطاء. كما يُقال إن أصل الكلمة عربي من الفعل “دوّن”، بالمقارنة مع اللفظ المرتبط بديوان الشعر. يعود استخدام الدواوين إلى اقتباس العرب للعديد من الأنظمة الإدارية من الفرس والرومان لتنظيم شؤون الدولة في مختلف الجوانب. وبمرور الوقت، توسعت الدواوين وأصبحت تشير إلى السجلات بشكل عام، ويفهم المصطلح بمعنى المكان المخصص لحفظ السجلات بشكل مجازي. وقد تأسست الدواوين بشكل تدريجي بناءً على الاحتياجات المتزايدة، بحيث لم يتم إنشاؤها دفعة واحدة، إذ ألغيت بعض الدواوين نتيجة لزوال الأسباب التي أدت إلى إنشائها، بينما استمرت بعضها الآخر.

تمت عملية تدوين الدواوين في السنة 15 هجري، وتم تنظيمها بصورة أوسع في السنة 20 هجري. كان أول ديوان تم تأسيسه في الإسلام هو ديوان الجند، حيث شمل تسجيل أسماء سكان المدينة، الذين يعتبرون نواة الأمة بعد ذلك، إضافة إلى الجنود الذين أطلقوا حملات تحرير الهلال الخصيب وفارس ومصر. لم يتم إدخال أهل مكة إلى هذا الديوان لعدم مشاركتهم في المعارك، كما لم يُسجل أيضاً الأعراب الذين بقوا في الجزيرة، والذين كانت تُخصص لهم الأموال من الصدقات. بجانب ديوان الجند، كان يُحتفظ ببيت المال الذي كان يتلقى الأموال من الصدقات والغنائم والجزية، بينما كانت هناك دواوين أخرى مخصصة لإدارة شؤون الولايات، مثل ديوان الخراج والنفقات.

يُعتبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الرائد في إنشاء الديوان في الإسلام، حيث قام بتدوينه عن طريق عقيل بن أبي طالب وجبير بن مطعم، اللذين كانا من وجهاء قريش. ومن بين الدواوين المهمة التي تم تأسيسها: ديوان الإنشاء (المختص بالرسائل)، ديوان العطاء (ذي الصلة بالأموال)، وديوان الجباية (الخاص بالخراج أو الجزية).

الدواوين في عهد الأمويين

أولى خلفاء بني أمية أهمية كبيرة للنظام الإداري، خاصةً وأنهم انتقلوا إلى بلاد الشام التي أصبحت المركز السياسي الجديد مؤقتاً. أصبحت بلاد الشام مركزاً لتجمع طلاب العلم والمعرفة. استخدم الأمويون عناصر عربية في الإدارة، الذين أظهروا كفاءات مالية بارزة. كما شهدت فترة الأمويين زيادة ملحوظة في عدد الدواوين مقارنةً بعصر الخلفاء الراشدين، إذ كان ذلك استجابة للاحتياجات الإدارية المتزايدة. ومن أبرز الدواوين الجديدة التي أُنشئت في هذه الفترة كان ديوان الخاتم، ديوان البريد، ديوان الصدقات، وديوان الطراز.

في عهد عبد الملك بن مروان، شهدت النظم الإدارية تطوراً ملحوظاً، حيث قام بعملية تعريب الدواوين في مناطق مختلفة بما فيها الشام والعراق ومصر، على الرغم من أن الفاتحين المسلمين احتفظوا بلغة البلاد المفتوحة في الدواوين.

الدواوين في العصر العباسي

تطورت الأنظمة الإدارية بشكل واضح في العصر العباسي، حيث اتبع العباسيون النهج الأموي في الاستعانة بذوي الكفاءات في الإدارة. أصبحت الدواوين تحتوي على دفاتر خاصة بها، مما يُعتبر خطوة هامة في التنظيم الإداري عبر تسجيل كافة تفاصيل الدولة. بالإضافة إلى ذلك، كان للناحية الاقتصادية تأثير كبير على الحكم والرعية، حيث أنشأ المنصور بيت مال المظالم، الذي يُخصص للمبالغ المستحقة للعمّال الذين تم عزلهم.

كانت هناك دواوين متعددة لكل ولاية تُدير شؤونها. فيما بعد، قام المعتضد بتوحيد هذه الدواوين في ديوان واحد عُرف بـ (ديوان الدار) والذي كان يحتوي على ثلاثة فروع تشمل ديوان المشرق، ديوان المغرب، وديوان العراق. كما عمل العباسيون على تطوير الدواوين التي أُنشئت في العصر الأموي وقاموا بتأسيس دواوين جديدة مثل ديوان الضياع وديوان المصادرة وديوان الأزمة وديوان الأحشام.

Scroll to Top