المرابطون
تُشيرُ كلمةُ “المرابطون” إلى الأفراد الذين يقيمون في الحاميات القريبة من حدود الأعداء. ويُشكّل المرابطون اتحادًا من قبائل لمتونة، وجدالة، وصنهاجة، وهم من الأمازيغ في شمال إفريقيا. تمكن هذا الاتحاد من تأسيس دولة إسلامية في شمال غرب إفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين. تحت قيادة يوسف بن تاشفين، أصبحت مراكش عاصمتهم في عام 1062 ميلادي، حيث حكموا المنطقة تحت راية الخلافة العباسية. وبعد عشرين عامًا، بدأت القوات المرابطية في التقدم نحو الأندلس، واستطاعت السيطرة عليها بالكامل في عهد علي بن يوسف. على الرغم من سقوط دولة المرابطين بعد فترة قصيرة، ونقص المعالم المعمارية التي شيدوها، إلا أن تأثيرهم عسكريًا ترك أثرًا بارزًا في تاريخ المغرب والأندلس.
أصل المرابطين وتأسيس الدولة
كان يحيى بن إبراهيم، زعيم قبيلة جدالة، يسعى إلى تحسين أوضاع أبناء قبيلته من خلال تشجيعهم على الالتزام بتعاليم الإسلام، خاصة بعد انتشار الفسق بينهم. خلال رحلته للعودة من أداء فريضة الحج، توقف في القيروان بحثًا عن عالم ليعلم أبناء قبيلته أمور دينهم. وبالفعل، عاد مع عبد الله بن ياسين، أحد مشايخ المالكية، الذي أصبح لاحقًا أول زعماء المرابطين وصاحب دعوتهم. واجه عبد الله بن ياسين العديد من التحديات في بداية دعوته، مما دفعه إلى الانعزال في شمال السنغال الحالية، ليبدأ في استقبال طلاب العلم. خلال أربع سنوات، ازداد عدد طلابه ليصل إلى ألف رجل، ونشروا دعوته بين القبائل الأمازيغية. انضم إليهم يحيى بن عمر اللّمتوني، الذي قاد قبيلته، مما أسهم في توحيدهم ضمن جماعة المرابطين. بعد وفاة الشيخ عبد الله، تولى أبو بكر بن عمر زعامة المرابطين، وأقاموا دويلة في شمال السنغال وجنوب موريتانيا.
توسعات المرابطين
بعد وفاة أبو بكر بن عمر، أوكل مهمة القيادة لابن عمه يوسف بن تاشفين، والذي توجه جنوبًا لإدخال القبائل المتنازعة في الإسلام. عند عودته، وجد أن ابن تاشفين تمكن من توسيع نطاق السيطرة في المغرب وموريتانيا، فضلاً عن تأسيس مدينة مراكش لتكون عاصمته. أسس مملكة المرابطين التي امتدت من تونس والجزائر شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن المغرب شمالًا إلى مالي وغانا جنوبًا. في عام 1086، استنجد أمراء الأندلس بابن تاشفين لمساعدتهم في مواجهة هجمات ألفونسو السادس ملك قشتالة، ونجح في تحقيق العديد من الانتصارات. على الرغم من عودته إلى المغرب بسبب الاضطرابات، فقد تمكّن لاحقًا من العودة إلى الأندلس، بعد حصوله على فتاوى من الفقهاء لضمان السيطرة على المدن الأندلسية واستعادتها من الأمراء الضعفاء، ونجح بالفعل في توحيد الممالك الإسلامية تحت حكم المرابطين واسترداد عدد من المدن من القوات الصليبية.
المسيحيون في دولة المرابطين
لعب المسيحيون المغاربة دورًا بارزًا في الأنشطة السياسية والإدارية والعسكرية بدولة المرابطين، حيث تقلدوا مناصب قيادية، بما في ذلك قيادة الجيش وجمع الضرائب، وخاصة في عهد علي بن يوسف. وقد أدى ذلك إلى انضباط المسيحيين تحت حكم المرابطين. كان تعيين المسيحيين في مناصب جمّاع الضرائب قرارًا استراتيجيًا، نظرًا للتسهيلات التي يمكن أن يقدمها أبناء القبائل أو الدين الواحد لبعضهم. وفي المقابل، استغل ابن تومرت قسوة جامع الضرائب في ثورته ضد الموحّدين. على العموم، كان نصيب المسيحيين من الامتيازات خلال عهد المرابطين أكبر في عصر علي بن يوسف، الذي وصف بأنه كان يولي اهتمامًا خاصًا للمسيحيين نظرًا لأصول والدته المسيحية.
آثار المرابطين
تنعكس الآثار التي خلفها المرابطون في الأساس الحضاري للدولة التي تجسدت في الإسلام في المغرب العربي لمدة تقارب المائة عام. ومن أبرز تلك الآثار:
- جامع القرويين: يُعتبر هذا المعلم من أهم الجوامع في المغرب العربي، حيث يُعادل الأزهر الشريف في تخريج العلماء والفقهاء، ويتميز بمنبره المعروف بجماله.
- المسجد الجامع بتلمسان: يعكس هذا المسجد التأثيرات الفنية والمعمارية الأندلسية، وقد بُني في عهد علي بن يوسف ليكون مركزًا لنشر الإسلام وتعليم العلوم الشرعية في المغرب.
- الآثار العسكرية: انبثقت دولة المرابطين من دعوة الإسلام والجهاد في سبيله، مما أسفر عن اهتمامهم ببناء القلاع والحصون في المناطق الاستراتيجية. ومن المعالم البارزة التي شيّدها المرابطون أسوار مدينة مراكش وقلاع مثل تاسغيموت، إضافةً إلى قلعة منتقوط التي تطل على مرسيّة في الأندلس.
سقوط دولة المرابطين
انهارت دولة المرابطين بمقتل تاشفين بن علي بن يوسف في رمضان من عام 539 هجريًا، إثر معركة مع الموحدين الذين أسسوا دولتهم على أنقاض المرابطين. ويعزو المؤرخون أسباب سقوط دولة المرابطين إلى الوقوع في نفس مصيدة ملوك الطوائف في الأندلس، حيث مالوا إلى الراحة والتمتع بجمال الأندلس، مما أدى إلى إهمال ترتيب الإدارة الداخلية للدولة بينما كانوا يركزون على الجهاد والفتوحات.
المراجع
- ↑ “المرابطون”، britannica، تم استرجاعه في 18-9-2018.
- ↑ راغب السرجاني (1-5-2006)، “دولة المرابطين”، islamstory، اطلع عليه بتاريخ 18-9-2018.
- ↑ “السلالة المرابطية”، newworldencyclopedia، 6-3-2016، تم استرجاعه في 18-9-2018.
- ↑ Tarek Ladjal (7-6-2017)، “الوجود المسيحي في شمال إفريقيا تحت حكم المرابطين (1040–1147 ميلادي): التعايش أم الإبادة؟”، tandfonline، تم استرجاعه في 18-9-2018.
- ↑ “دولة المرابطين: مائة عام مشرقة في المغرب”، albayan، 19-10-2012، اطلع عليه بتاريخ 18-9-2018.
- ↑ محمد سعيد القصيباتي (5-7-2015)، “نهاية دولة المرابطين في الأندلس”، albayan، اطلع عليه بتاريخ 18-9-2018.