المقدمة: فرحة تعم القرية
عندما يُقرر أحدهم الزواج في القرية، تتحول تلك المناسبة إلى فرحة جماعية تتجلى في جميع المنازل. تلبس النساء أجمل الثياب وأثمنها، بينما يتسابق الأطفال في تقديم الخدمة لذوي العروسين. وتبدأ الفتيات الجميلات في الحي بشراء الأقمشة الملونة لتفصيل فساتين بديعة، مما يجعل كل واحدة منهن تبدو في غاية الجمال، وكأنها حفلة زفاف متعددة العرائس. ترتسم البهجة على وجوه الجميع، وكأن السعادة تخصهم جميعًا، وكأن العروسين هما أبناء القرية بأكملها.
العرض: عرس القرية يجمع القلوب
إذا زرت عرسًا شعبيًا، ستُذهلك الأضواء المتألقه من المنازل، فلا يمكنك معرفة أي منها يتعلق بالفرح. كل البيوت مشرقة، والحي بأكمله مليء بالبهجة. لقد انطلقت الاحتفالات في حيِّنا منذ أسبوع، وما زالت أهازيج الفرح تُلعلع في الأرجاء.
الجميع يغنون بفرح وسعادة، نظرًا لأن إحدى فتيات الحي ستُزف إلى شاب من نفس الحي. وبهذا، أصبح الفرح مشتركًا والاحتفالات جارية على قدمٍ وساق. ستجد في كل بيت تحضيرات خاصة ملائمة للكبار والصغار، من ملابس النساء والرجال، استعدادًا لهذا الحدث الكبير المرتقب خلال أيام قليلة.
يمتاز عرسنا بأنه مفتوح للجميع، فلا توجد دعوات محددة، فكل شخص مدعو بشكل ضمني للمشاركة. الفرح هو فرحة القرية بأكملها، وليس فرحة عائلة واحدة. وبهذا، قد تظن أن جميع الأمهات هن أم العروس أو أم العريس، بسبب الفرحة التي تُعبر عن وجوههن.
أما رجال القرية، فيقدمون الدعم من جميع النواحي، سواء من توفير المال أو المقاعد، أو أي شيء يمكن أن يقدمونه. فهناك من يتطوع لإقامة وليمة العشاء الخاصة بالعروسين، حتى يقوم بذبح الذبائح دون أن يهتم بذلك، فالعروسان هما أبناؤه.
عند حلول يوم الزفاف، يبدأ الاحتفال مبكرًا، ويتم اختيار مكان واسع لإقامة حفلة النساء، بحيث يُؤمَّن له الخصوصية. يجلس العريس على مقعد مرتفع قليلًا أمام جميع النساء، بينما يتم إعداد عدد كبير من الكراسي لتوفير أماكن جلوس لهن، مع ترك مساحة للرقص والغناء. ترتدي العروس فستانًا أبيض طويلاً مزينًا ببعض الزخارف اللامعة، مصنوعًا بإتقان من إحدى الحِّرفيات في الحي، وتزينه “الطرحة” الطويلة التي تغطي رأسها حتى ظهرها.
مع بداية الحفل، تتدفق الفتيات للرقص بفرح وسعادة، بينما تكتمل اللحظات الجميلة مع دخول صديقات العروس ليدفعنها للاحتفال معهن. تنزل العروس بتردد، لكن عينيها تلمعان بالأمل. تبدأ الزغاريد تخرج من أفواه النساء، ويرتفع صوت الفرح حتى يصل إلى آذان الرجال في الخارج، رغم أن الصوت يصل إليهم خافتًا متقطعًا بفعل الضجيج الذي يحيط بهم.
يصفق كبار السن بفرح وتتصدر الابتسامة محياهم، بينما يتمايلون ويغنون أغانٍ تقليدية قديمة. هذه الأغاني تحمل في طياتها معاني لا تُضاهى، وتحثهم على إحيائها لأبنائهم وأحفادهم ليبقى هذا التراث حيًا في الأذهان.
في خضم احتفالات الفرح، تأتي مجموعة من الشباب لتوزيع القهوة والماء والشاي المعطر بالحبهان، مما يُعد رمزًا للكرم والضيافة المتميزة.
ومع انتهاء مراسم الزفاف، تُعد النساء العروس وتجملها بعباءة سوداء وتخفي وجهها بـ”الطرحة” ليحفظها الرجال بعيدًا عن أنظارهم، ثم يتقدم والد العروس وإخوانها وأعمامها وأخوالها لأخذ يدها بعد تحيتهم، ليأخذها العريس نحو الباب لتبدأ رحلة جديدة من الحياة الزوجية.
سيحبها ويعتني بها، وسيسأل الله أن يزرع بينهما البهجة والمودة، كما يفعل الأسد مع أنثاه التي يحميها ويصونها، لأنه يدرك أنها أمانة ومسؤولية عظيمة.
عند وصول العروس إلى منزل زوجها، تودع عائلتها وأحبائها، ما يجعل فرحة اليوم تستمر في قلوب الجميع. تستمر فرحة القرية حتى بعد انتهاء الزفاف، حيث تبقى الأجواء مفعمة بالسعادة والترقب لاحتفالات قادمة تملأ الأرجاء فرحًا.
وبدلاً من العودة إلى منازلهم مباشرة، يتعاون الجميع في تنظيف المكان بعد انتهاء الحفل. تتجمع النساء معًا في صف واحد لتنظيف المكان من الداخل، ولا يغادرن حتى ينتهين من جميع الترتيبات.
الخاتمة: البساطة عنوان فرحنا
أخيرًا، تُعتبر أفراح قريتنا رمزا للبساطة والتميز، فهي لا تتطلب مبالغ ضخمة من المال. لا تُقام الاحتفالات في صالات فاخرة، بل تتم في أمكان بسيطة وسط الحي.
ورغم بساطتها، نجد أن العروسين هما من أسعد الناس، حيث تردد أصداء أغاني الفرح في كل مكان. تقوم نساء الحي في إعداد الحلويات باستخدام مكونات بسيطة من مزارع المنطقة، وتصنع ملابس العروسين من أقمشة رائعة يتم تفصيلها عند خياط محلي، لا تأتي من باريس أو سويسرا، لكنها تتميز بجمالها وأناقتها.