تحليل دور امرأة عمران في التاريخ الإسلامي

اصطفاء عائلة عمران

ورد في القرآن الكريم أن الله -عز جل- اصطفى عائلة عمران على سائر العالمين؛ حيث قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ*ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). جاء هذا الاصطفاء نتيجة لنسبهم الشريف وتميزهم بالأخلاق الحميدة.

إذ إن أم مريم هي من نسل عمران، وابنتها مريم هي والدة النبي عيسى -عليه السلام-، حيث اختيرت من بين الأبرار، وذلك من جهة الأب والأم على حد سواء، وهم ذرية صالحة ورثت القيم الطيبة والإيمان العميق بالله، ويرمزون الى نموذج يحتذى به في الخيرات والفضائل التي أسهمت في اختيارهم.

نذر امرأة عمران لخلق الله

امرأة عمران، وهي حنة، زوجة عمران العابد الصالح من بني إسرائيل، كانت كذلك عابدة وتقية. عانت حنة من العقم، فرأت طائراً يفقس صغاره، فأملت في رحمة الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقها ذرية صالحة. وقد استجاب الله -عز وجل- لدعائها، فتمنت أن يكون مولودها ذكراً، ونذرت لله أنه إذا رزقها ولداً ستجعله خادماً لبيت المقدس، والنذر بحد ذاته هو ما يتعهد به المرء لنفسه.

ولادة مريم، ابنة عمران

عندما وضعت أم مريم مولودها، قدّر الله أن تكون أنثى. وتوجهت إلى الله -سبحانه وتعالى- معترضة على هذه الحالة، قائلة إنها فعلت ما لا ينبغي، إذ كان يُعتقد أن الأنثى ليست مؤهلة لخدمة المعبد والانقطاع للعبادة نتيجة لما قد يصيبها من حيض ونفاس. فتوجهت إلى خالقها، حائصة من هذا الوضع.

قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا…).

كما توضح الآية السابقة، فقد أطلقت امرأة عمران اسم مريم على مولودتها وطلبت من الله -تعالى- أن يحصنها وذريتها من غواية الشيطان. وقد استجاب الله لدعائها ونذرها، فأنبتها نباتًا طيبًا وكفلها نبي الله زكريا، حيث أحاطها الله برعايته، وجعلها بين عباده الصالحين، ويسر لها الرزق في مكانها.

وكان زكريا كلما ولج المحراب وجد عندها رزقاً غريباً، صيفاً في الشتاء وشتاءً في الصيف، مما أثار استغرابه، فسألها متعجباً عن مصدر هذا الرزق، فأجابت بشكل بسيط أنه من فضل الله ورزقه. قال الله -تعالى-: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

كما أكرم الله امرأة عمران، فقد بارك لمريم في ذريتها، واخترها لتكون أم نبيّه عيسى -عليه السلام-، وطهرها من كل دنس، وفضلها على نساء العالمين لكثرة عبادتها وطهارتها. وقد أمرها بالعبادة والتسبيح له سجوداً وركوعاً، فقال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ).

Scroll to Top