التعليم
لا يساور الشكّ في أن التعليم يعدّ اللبنة الأساسية لتطور الشعوب وازدهارها. فقد ساهمت الدول المتقدمة بشكل كبير في تعزيز التعليم في مدنها ومناطقها، إدراكًا منها لأهمية التعليم في مسيرة تقدمها ومساهمة الأفراد في المجتمع. فلولا المعارف والعلوم، لما استطاع الإنسان استكشاف الفضاء عبر الصواريخ والطائرات، ولما تم تطوير علاجات للعديد من الأمراض التي كانت في الماضي تؤدي إلى فقدان العديد من الأرواح. ومن بين القادة الذين أدركوا ضرورة التعليم في بلادهم هو محمد علي باشا، الذي شهدت مصر خلال حكمه تطوراً ملحوظاً في مجال التعليم.
التعليم في عصر محمد علي
شهدت القاهرة ازدهاراً علمياً خلال حكم المماليك، إلا أنها تعرضت للإهمال والانحطاط حين تولى العثمانيون الحكم، حيث اعتبروا القاهرة واحدة من المدن الثانوية. وساهم عدم إتقانهم للغة العربية وفرضهم للغة التركية في اندثار المدارس التي أسسها المماليك، مما جعل التعليم يقتصر على الكتاتيب والأزهر، الذي كانت دراسته موجهة بشكل أساسي نحو العلوم الشرعية وبعض المفاهيم الأساسية في الحساب لضبط المواريث. وقد وصلت مستويات التعليم في القاهرة وعموم مصر إلى أدنى مستوياتها في أواخر فترة الحكم العثماني.
في عام 1805، تولى محمد علي الحكم، وكان يمتلك رؤية واضحة حول أهمية التعليم في نهضة الأمم. حيث قام ببناء المدارس واستقدام معلمين من الدول الأوروبية لنشر التعليم بين الناس. كان هدفه استقطاب المعرفة المتطورة التي حققتها الدول الأوروبية، كما أرسل عدداً من الطلاب المصريين إلى أوروبا بهدف اكتساب العلوم والمعارف الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، قام بإعادة هيكلة النظام التعليمي من خلال تأسيس نظام متكامل يضمن إعداد جيل واعٍ ومؤهل لتحمل المسؤولية وقادر على إحداث التغيير في المجتمع. وقد حافظ على الأزهر كمركز مهم للعلوم الدينية، حيث ساعد في التعاون بين العلماء والطلاب في المدارس النظامية، كما اهتم بطباعة وترجمة الكتب الأوروبية للاستفادة منها.
تميزت المدارس التي أنشأها محمد علي بتوفير مراحل التعليم الابتدائية والثانوية والتعليم الفني. وقد تمّ تشجيع الأهالي على إرسال أبنائهم للمدارس، مع تقديم عدة امتيازات مثل توفير الإقامة والطعام والملابس والرواتب الشهرية للطلاب.
نجح محمد علي في إنشاء مدارس متخصصة تخرج أجيالاً من المتخصصين في مجالات حيوية مثل الطب والهندسة، بالإضافة إلى المدارس الصناعية التي أعدت متخصصين في الفنون والحرف. كما أسس شورى المدارس التي كان لها دور رئيسي في تطوير التعليم الفني، وكان ديوان المدارس هو الجهة المسؤولة عن تنظيم وتنسيق شؤون المدارس بصورة شاملة.