حماية ممتلكات الآخرين

خلق الأمانة

يتميز المؤمنون الصالحون الذين كتب الله -سبحانه وتعالى- لهم النجاح في الدنيا والآخرة بكونهم يحافظون على أمانات الآخرين، ويؤدونها حق الأداء؛ حيث وصفهم الله في كتابه بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ). وتُعَدّ الأمانة شاملة لكافة مجالات الحياة، بالإضافة إلى جوانب الآخرة. فالأمانة تجسد أداء الحقوق والمحافظة عليها، فالمسلم الذي يتحلى بخلق الأمانة يؤدي طاعاته إلى الله تعالى على أتم وجه، ويجنّب حواسه الوقوع في الحرام، ويؤدي حقوق الناس عليه. تعتبر الأمانة قيمة عالية وعظيمة من قيم الإسلام، على الرغم من أن السماوات والأرض قد رُفضت لتحملها، حيث جاء في القرآن الكريم: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا). كما أن الأمانة صفة اتصف بها الأنبياء والمرسلون، حيث كانوا يبرزون لأقوامهم أنهم رسل أمناء بعثهم الله إليهم، وأعظمهم في ذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان معروفاً حتى بين أعدائه بأنه الصادق الأمين. وقد جعل رسول الله الأمانة دليلاً على إيمان الشخص وحسن خلقه، كما أوصى بها في خطبته أثناء حجّة الوداع، حيث أشار إلى أن نزع الأمانة من قلوب الناس يعد من علامات قرب الساعة.

الحفاظ على ممتلكات الآخرين والمرافق العامة

عندما يأخذ شخص ما شيئاً من ممتلكات الآخر دون رضاه، فإن الله -عزّ وجلّ- لن يغفر يوم القيامة ما بين العباد من حقوق. لذا، إما أن يُسامح الفرد الذي تم أخذ ممتلكاته، أو يستعيد حقه يوم القيامة. وبخصوص الأشخاص الذين يتعرض ممتلكاتهم مع غيرهم، فهم أيضاً خصومه يوم القيامة. قد لا يكون الاعتداء بالسرقة المباشرة، بل قد يتجلى في الإساءة لما يملكه الناس، كما في الطرق العامة التي تُعتبر ملكاً عاماً. ليس لأحد الحق في تدميرها أو إفسادها بأي شكل، فالأذى الناتج عن ذلك لا يعود سوى بالضرر على المسلمين. وقد نهى الله -عزّ وجلّ- عن الاعتداء على أموال المسلمين، حيث قال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).

أهمية الأمانة

لا يقتصر مفهوم الأمانة المتعلق بشؤون الدنيا على حفظ الودائع، فقد ورد ذكره في كتاب الله -تعالى- بلفظ الأمانات، مما يوضح أن لها مجالات متعددة. وفيما يلي عرضٌ لتلك المجالات وأهميتها بشكل مفصل:

  • الأمانة في اختيار العاملين في الدولة؛ حيث تعد هذه المسألة عظيمة لا يدركها إلا من لديه الوعي بمسؤوليتها. وقد وضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: (إنكم ستَحرصونَ على الإمارةِ، وستكون ندامةٌ يومَ القيامةِ، فنِعْمَ المُرضعةُ، وبئستِ الفاطمةُ). وأوضح أيضاً لعبد الرحمن بن سمرة أنه إذا طلب الولاية فقد وكّل بها، وإن تولاها دون سؤال، كانت له عوناً.
  • الأمانة في الودائع؛ وهو المعنى الأكثر شيوعاً عند تناول مفهوم الأمانة. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في حفظ الودائع، حتى أن أهل مكة رغم عدائهم له، لم يجدوا موضعاً لودائعهم إلا عنده.
  • الأمانة في السر؛ فإن الحديث الذي يقال بين الأصدقاء يبقى أمانةً، ويجب عدم مشاركته مع الآخرين.
  • الأمانة في المشورة؛ حيث إن من يستشير شخصاً ما، يضع ثقته فيه، وعليه أن يتحلى بالأمانة في نصائحه.

صور الأمانة

تعتبر الأمانة موضوعاً شديد الاتساع، ولها جوانب متعددة. الأول: يتعلق بحق الله، والثاني: يتعلق بحقوق البشر. وفيما يلي توضيح لما يشمله كل منهما:

  • الأمانة في العبادات التي فرضها الله -تعالى- على عباده، فهي تتضمن تأدية العبادات كما هو مطلوب.
  • الأمانة في الأموال، حيث يجب على الشخص أن يتجنب ما ليس له وأن يؤدي حقوق الآخرين.
  • الأمانة في الأعراض؛ حيث يكف المؤمن نفسه عن الاعتداء على الآخرين من خلال الغيبة والنميمة.
  • الأمانة في الأجسام والأرواح؛ حيث يجب أن يحافظ الإنسان على سلامة الآخرين.
  • الأمانة في المعارف؛ حيث يتعين على الشخص نقل المعرفة كما استلمها دون أي تحريف.
  • الأمانة في الشهادة؛ يجب الأداء كما سمعها دون تغيير.
  • الأمانة في الحكم؛ يجب الحكم وفق القوانين المعمول بها.
  • الأمانة في الكتابة؛ يجب أن يكتب الكاتب كما يُملى عليه دون أي تحريف.
  • الأمانة في الأسرار؛ يجب الحفاظ على خصوصيات الأفراد.
  • الأمانة في الرسالات؛ يُؤدّي الرسالة كما تم استلامها دون تغيير.
  • الأمانة في الحواس؛ يجب الكف عن الممارسات التي تغضب الله).
Scroll to Top