تحليل شامل لرواية يسمعون حسيسها

التحليل الموضوعي لرواية “يسمعون حسيسها”

تُعتبَر رواية “يسمعون حسيسها” واحدة من أبرز الأعمال الأدبية العربية في فئة “أدب السجون”. يتناول الكاتب في هذا النوع من الأدب المعاناة التي يعيشها الأشخاص خارج إرادتهم، سواء في السجن أو الفـرار من الإقامة الجبرية، وهذا ما يظهر بوضوح في رواية “يسمعون حسيسها” للكاتب الأردني أيمن العتوم. تجسد الرواية تجربة حقيقية وليست من خيال المؤلف أو سيرة ذاتية، وقد نُشرت العام 2012 من قبل المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

ترتكب الرواية حول شخصية يدعى إياد أسعد، طبيب يعاني من الاعتقال لمدة ثلاث عشرة سنة في السجون رغم عدم وجود أي تهمة حقيقية بحقه، حيث يتعرض للإدانة بالانتماء إلى خلية إرهابية. تمتاز أحداث الرواية بتصوير الحياة الشخصية لإياد داخل جدران السجون، مع تقديم مشاهد قد يجد المرء صعوبة في تصديقها.

يتعرض السجناء إلى تجريدهم من إنسانيتهم ويسعون للنجاة من ظروف قاسية تشمل: التعذيب، إعدام المساجين، وتفشي الأمراض مثل الكوليرا نتيجة الظروف الصحية السيئة. تتجلى في الرواية مشاعر فقدان الكرامة الإنسانية، حيث تعاني الشخصية الرئيسية من صراع نفسي حاد، وتحاول الهروب من السجن، لكنها تُعتقل مرة أخرى، مما يؤدي إلى إصابة قدمها برصاصة.

الأسلوب المتبع في رواية “يسمعون حسيسها”

تبدأ الرواية بإهداء من الكاتب يجذب القارئ مستعرضًا أسلوبه الإبداعي ولغته الغنية، وفن التشبيه، وما يميز أيمن العتوم من رسم صور فنية مؤثرة. يسجل الكاتب أن الرواية مُهداه إلى الأحرار الذين يقاومون من أجل الحق، مع الإشارة إلى أن ما سيقرأه القارئ هو مجرد جزء صغير من أحداث عاشها في السجن.

يتميز أسلوب أيمن العتوم في هذه الرواية بتأثره بالقرآن الكريم، وهو ما يتضح من العنوان “يسمعون حسيسها”، المأخوذ من آياته. يستشهد الكاتب في بعض أجزاء الرواية ببعض الآيات القرآنية تعبيرًا عن مواقف معينة، ويتبنى أسلوب المناجاة مع الله، كما يظهر في قوله: “يا إله السماء، كم ناجيتك كي لا تتركني مع الوحوش، ثم لم يكن للوحوش الضارية أي عواء!! أي حكمة تتجلى لي كي أحياها يا رب”. كما يستخدم أسلوب التعجب والأسئلة البلاغية، مثل: “هل كانت أمي تعرف ما يمكن أن يخبئ القدر لطفلٍ لاهٍ مثلي؟”. ميزات الأسلوب اللغوي لأية العتوم تكمن في استخدام مفردات فصحى سهلة، مما يسهل على القراء من مختلف الفئات قراءة الرواية.

الاستعارة والصور الفنية في رواية “يسمعون حسيسها”

استخدم الكاتب استعارات وصور فنية بغاية الإبداع، مما يعكس مواهبه في التصوير والخيال، لتوصيل مشاعر وأفكار عميقة إلى القارئ. ومن أبرز هذه الصور:

  • “لا أحد يعرف الجحيم أكثر منا، نحن الذين كما هناك”.
  • “لو كنت يومها أعرف قيمة القلم والورقة، لرسمت غدي الحالم بيدي قبل أن ترسمه كائنات خارج الإنسانية لا تعترف بالبشرية مطلقًا، إنها كائنات قادمة من الجحيم”.
  • “الكلمة الطيبة شجرةٌ مورقةٌ إذا وقعت في القلب أحيته”.

الحوار والسرد في رواية “يسمعون حسيسها”

يبدأ الكاتب بسرد أحداث من طفولة الشخصية الرئيسية، مشيرًا إلى حياة هنيئة أو طبيعية، كأي طفل آخر، مما يعتبر بداية سعيدة لا تلبث أن تتحول. يتجلى الانتقال في الأحداث بشكل واضح، مما يسمح بالمقارنة بين ماضي الشخصية ومستقبلها المحتمل، موضحًا الفروق الكبيرة بينهما.

تنقسم الرواية إلى أجزاء، كل جزء له عنوان ورقم خاص، وتتميز عناوين الأجزاء بكونها تعبيرات إبداعية مثل “لا يمكن أن يسجنوا الشمس” و”شياطين الجحيم”، مما يعكس محتوى تلك الأجزاء. يشير الكاتب في مقدمة الكتاب إلى موضوعية روايته وتجنب الخيال، بل ويذكر أن بعض أحداث التعذيب لم تُروَى بالكامل.

سرد الكاتب الرواية باللغة العربية الفصحى، مع استخدام اللهجة العامية في الحوارات الخارجية. هذه الطريقة تعزز الواقعية في الرواية، حيث استخدم اللهجة السورية في الحوار، الذي يُعتبر عنصرًا حيويًا في الرواية. يظهر الحوار بشكل متكرر، مع تضمين أساليب عنيفة أو مهينة، والتي تُعبر عن التعذيب وعن جو الرواية بشكل عام، مما يستلزم ظروف تحكيها كما هي.

Scroll to Top