تحليل بلاغي لقصيدة فتح عمورية
تتضمن قصيدة “فتح عمورية” العديد من عناصر البلاغة، حيث يصعب قراءة بيت واحد دون اكتشاف استعارة أو تشبيه أو طباق أو غيرها من فنون البلاغة الأساسية. يُعرف الشاعر أبو تمام بتميزه في استخدام البديع وتطويره، مما جعله يُعرف بشاعر الصنعة. وفيما يلي تحليل بلاغي للقصيدة:
البيان في القصيدة
يشمل علم البيان الاستعارات المكنية والتصريحية، والتشبيهات، والكنايات، والتي تُعتبر من العناصر الأساسية في قصيدة “فتح عمورية”. زادت هذه العناصر من رونق الأبيات وتألّقها، حيث ساعدت على إيصال المعاني بأسلوب لغوي فريد. من الأمثلة على ذلك استخدام الشاعر لأيقونات بليغة، حيث يشبّه الرمح في لمعانه بالشهب اللامعة في السماء. كما يُشبه الليل بظلمته وعمق سواده بنور وضوح النهار. يظهر ذلك في قوله:
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً
يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ
أما الاستعارة، فقد تم توظيفها بكثرة في الأبيات، حيث تنوع الشاعر بين الاستعارات المكنية والتصريحية، مما أضفى جمالاً مميزاً. في بداية القصيدة، يشبّه السيف بشخص يتحلى بصفة الصدق، مقدماً المشبه بينما حذف المشبه به نظراً لتقارب الشبه بينهما. يظهر هذا من خلال الاستعارة المكنية التالية:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
كما يشبّه ظلام الشك بلمعان السيف، بحيث ذكر المشبه وهو الشك وحذف المشبه به وهو بريق السيف، مما يُبرز الاستعارة المكنية أيضاً. ويظهر ذلك في قوله:
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
البديع في القصيدة
أما بالنسبة لاستخدام البديع في قصيدة، فقد كان متألقًا وقويًا، إذ أضفى المحسنات البديعية جمالاً على الأبيات، مُرشدة المستمع إلى معانٍ عميقة. يظهر الطباق والجناس، وهما من أبرز الفنون البديعية التي استخدمها أبو تمام، فيما يتوازن ذلك مع الحروف والكلمات والقوافي التي تضفي انسجامًا واضحًا على القصيدة.
تتواجد العديد من شواهد البديع في قصيدة “فتح عمورية”. على سبيل المثال، يمكن رؤية الطباق بين كلمة السماء والأرض وطباق السلب بين كلمتي (منقلب – غير منقلب) وكلمتي (غزو- لا غزو)، كما يظهر في قوله:
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ
هَيهاتَ زُعزِعَتِ الأَرضُ الوَقورُ بِهِ
عَن غَزوِ مُحتَسِبٍ لا غَزوِ مُكتَسِبِ
أيضًا استخدم أبو تمام الجناس بنوعيه والسجع، حيث يظهر الجناس الناقص بين كلمتي (صفائح وصحائف) بالإضافة إلى السجع الواضح في كلمة (سود، بيض)، كما في قوله:
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
علم المعاني في القصيدة
يُعرف أن علم المعاني يتعلق بربط اللفظ بمعنى الكلام، بحيث يتماشى مع هدف المتكلم البليغ. وقد تم استخدام هذا العلم بوضوح في القصيدة عبر أساليب الإنشاء وأساليب الخبر ومعاني القصر. ومن الأمثلة على الأسلوب الخبري، حيث يناقش الشاعر الكذب الرائج حول الشهب والنجوم، وقوة السيف التي تكشف زيف كتب الأعداء، ويقول:
تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً
لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
كما يتجلى أسلوب الإنشاء بشكل واضح من خلال استخدام الاستفهام الذي يُظهر التهكم من الأعداء، كما في قوله:
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
أما بالنسبة لاستخدام القصر، فهو يُظهر تخصيصاً وتوكيداً مميزاً، كما في قوله:
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ