دراسة تفصيلية عن سورة يس في القرآن الكريم

سورة يس

تُعتبر سورة يس من السور المكية التي تتميز بالتركيز على العقيدة، حيث تُبرز الإيمان بالجنة والنار، بالإضافة إلى المواضيع المتعلقة بالبعث والحساب والجزاء. هذه السورة تُظهر ببلاغتها الفريدة عظمة القرآن الكريم، حيث تبدأ بحروف مقطعة تتحدى المشركين في إنتاج مثله، حتى وإن آية واحدة. وتترابط سورة يس بشكل وثيق بالسور السابقة مثل سورة فاطر وسورة سبأ، حيث تناولت سورة سبأ الشمولية في مفهوم الطاعة لله والشكر له، بينما تطرقت سورة فاطر إلى الأسس التي يقوم عليها هذا التكليف. ثم جاء دور سورة يس لتوضح كيفية تلقي المؤمن لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، بناءً على خشية الله وعبادته والالتزام بالقرآن، مما يبرز التتابع والترابط بين هذه السور الثلاث في بيان الأهداف والمبادئ الأساسية.

أسماء سورة يس

اسم (يس) هو الاسم المعروف والموثوق به للسورة، لكن يُعتبر أن هناك ستة أسماء أخرى غير موثوقة تم ذكرها، ومن بينها: قلب القرآن كما ورد في كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، والمعمة أي التي تحتوي على الخير في الدنيا والآخرة، والدافعة القاضية، أي التي تدفع السوء وتقضي الحاجات. كما تُعرف أيضًا بالعظيمة عند الله والعزيزة، بالإضافة إلى تسميتها بسورة حبيب النجار، وهو حبيب بن مرة، حيث وردت قصته في السورة، حيث يقول الله عز وجل: “وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ”.

سبب نزول سورة يس

أسباب النزول لسورة يس تتعلق بآيات محددة، إذ لا تعد من السور التي نزلت دفعة واحدة. ومن أبرز أسباب النزول المرتبطة بالسورة:

  • قوله تعالى في سورة يس: “إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ”، والتي تتعلق ببني سلمة الذين كانوا يسكنون في أطراف المدينة المنورة. فقد ورد عن أبي سعيد الخدري أنهم أرادوا الانتقال بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم النبي أنه عليهم احتساب آثارهم.
  • قوله تعالى: “وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ”، حيث ورد عن ابن عباس أن العاص بن وائل جاء إلى الرسول بعظم فقال له: يا محمد، أيبعث الله هذا بعد أن رمى؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بالإيجاب.

موضوعات سورة يس

موضوعات السورة العامة

تحتوي سورة يس على موضوعات متعددة تتميز بتنسيقها المتماسك، مع إبراز المشاهد التي قد يغفل الإنسان عنها، مثل مشاهد يوم القيامة ومواضع الآيات الكونية المعجزة. تركز السورة على طبيعة الوحي وصحة رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُبيّنة أنه لا يعذب الله أمة إلا بعد إرسال رسول يُنذرهم. كما تؤكد على وحدانية الله وأدلّته مثل البعث والنشور وخلق السموات والأرض، بالإضافة إلى قصة أهل القرية التي تُشابه قصة أهل مكة في تكذيبهم وإنكارهم لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

قصة مؤمن آل يس

تناولت سورة يس قصة مؤمن آل يس، الذي يُعتقد أن اسمه حبيب بن مرّة. إذ ذكر أن المسيح عليه السلام أرسل رسولين إلى قرية، لكن أهلها كذّبوا واعتدوا عليهما، مما استدعى إرسال رسول ثالث. آمن حبيب النجّار بالرسل وعارض أهل القرية في نيتهم لقتلهم، وحين تم اصطحابه للملك الذي استنكر إيمانه، أصرّ على الإعلان عن إيمانه. قُتل لاحقًا، ولكن الله أكرمه الجنة، في حين تم إهلاك أهل القرية لعدم استجابتهم.

فضل سورة يس

وردت أحاديث ضعيفة في فضل سورة يس، منها:

  • قوله صلى الله عليه وسلم: “اقرَؤوا يس علَى موتاكُم”.
  • قوله صلى الله عليه وسلم: “مَن قرأَ يس في ليلةٍ أصبحَ مغفورًا لَه”.
  • قوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قرأَ (يس) في ليلةٍ ابْتِغَاءَ وجْهِ اللهِ؛ غُفِرَ لهُ”.

يجب التنويه إلى أنه رغم عدم توفر أحاديث صحيحة عن فضل سورة يس، إلا أن بعض ما ورد عنها معروف من الصحابة، وبعضها يحمل دلالات حسن من تجارب الصالحين. ولا شك أن كتاب الله تعالى هو مصدر للفضل والبركة.

أهداف سورة يس

تحمل سورة يس أهدافاً متعددة يمكن استنباطها من آياتها ومشاهدها، ومنها:

  • تأكيد الرسالة السماوية للإسلام التي أُنزِلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتكون خلاصاً للبشرية من عذاب يوم قريب.
  • تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم بأن له أسوة في القدرة الإلهية، مستشعراً أن نهاية الإنسان نحو الفناء لا مفرّ منها.
  • تأصيل أركان الدين مثل التوحيد وإثبات الرسالة والوحي، والقدر والجزء، وإثبات علم الله وشكر المنعم.
  • تحدي المشركين في إعجاز القرآن بحروفه المقطعة، وفي الإتيان بمثله، فهو كلام الله المنزّل.
  • تذكير الناس بنعم الله التي لا تُحصى، مما يتوجب عليهم الشكر والطاعة.
  • دعوة للجميع لاتباع دعاة الخير وعدم إنكار رسل الله، والابتعاد عن الشرك الذي يؤدى إلى الحساب والعذاب.
  • إبراز أصول طاعة الله بالإيمان والعمل، وتأكيدا على أن الحساب والجزاء آتيان لا محالة.
  • ضرب الأمثال بين مُتبعى الرسل والمعرضين عن دعوتهم مستنتجين جزاء كل منهما.
  • الاستدلال على كون الشيطان عدوّ للإنسان.

العِبَر المُستفادة من سورة يس

تشير سورة يس، مثل سائر أجزاء القرآن الكريم، إلى العديد من العبر والدروس التي ينبغي على المؤمن استيعابها؛ للاستفادة منها في حياته، ومن أبرز هذه الدروس:

  • أهمية خشية الله القادر على إحياء العظام وهي رميم، من خلال الإيمان برسالة الرسل، ولا يغني الضالّ شيئاً عن عذاب الله إلا الهداية.
  • القرآن محكم ومُحفوظ، بحيث لا يمكن لأحد تغييره، وهو يتحدث بكلام الله الحكيم للبشر جميعاً بعقلانية.
  • ضرورة التحلي بالصبر والثبات على العقيدة، للدعوة إلى وحدانية الله وإخلاص النية.
  • ضرورة التأمل في دلائل وجود الله وقدرته، وما حدث لقوم كذَّبوا.
  • شكر الله على نعمه، مثل تنقل الإنسان بسهولة بين الأماكن.
  • الاعتراف بأن الموت والساعة آتيان لا محالة، مما يستدعي وجوب الوعي لذلك.
  • القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم، ويُمثل المصدر الأول للتشريع.
  • اختص الله تعالى وحده بعلم الأمور؛ فلا علم للإنسان إلا ما علمه الله.
Scroll to Top