إبداع الاستهلال في القرآن الكريم
يمثل مفهوم الاستهلال في اللغة العربية توضيح الهدف وموضوع الحديث منذ البداية. يُعتبر الاستهلال من أبرز مظاهر الإعجاز البلاغي والأسلوبي في القرآن الكريم؛ حيث تُمثل البداية الصوت الأول الذي يلتقطه المتلقي. وقد تميز القرآن الكريم باستهلالات رائعة تأسر المتلقي وتجذب انتباهه، وذلك من خلال استخدام أساليب أدبية متنوعة ذات تأثير بالغ، وتنوعت أساليب الاستهلال في سور القرآن المختلفة.
من بين عناصر الإبداع في الاستهلال أن بداية كل سورة تشكل مفتاحها، وتوضح الموضوع الرئيسي للسورة. على سبيل المثال، في سورة الأعلى، بدأ الاستهلال بأسلوب الأمر للرسول بالتسبيح. كان الرسول يقرأ الأمر ومن ثم يتبع ذلك بالاستجابة مباشرة، حيث يردد قبل أن يستمر في قراءة السورة: “سبحان ربي الأعلى”. تكمن براعة الاستهلال هنا في إشراك المتلقي وتحقيق استجابته الفورية.
تصنيفات فواتح سور القرآن الكريم
تتنوع فواتح سور القرآن الكريم، وقد قُسمت إلى عشرة أنواع، على النحو التالي:
- الثناء
ويكون ذلك من خلال المدح والتنزيه عن النقص، ويتضمن البدء بالتسبيح أو الحمد أو التبارك، مثال: سورة الأنعام، سورة الفاتحة، سورة الكهف، وسورة الملك، وتشمل هذه الفئة أربع عشرة سورة.
- الحروف المقطعة في فواتح السور
مثل: سورة البقرة، سورة مريم، وسورة يوسف، ويبلغ عددها تسع وعشرون سورة.
- البدء بالأسلوب الخبري
مثل: سورة المعارج وسورة المجادلة، ويصل عددها إلى ثلاث وعشرون سورة.
- البدء بأسلوب النداء
مثل: سورة الممتحنة، سورة الطلاق، وسورة النساء، ويبلغ عددها عشر سور.
- البدء بأسلوب الأمر
مثل: سورة الجن وسورة الفلق، وعددها ست سور.
- البدء بالدعاء
عددها ثلاث سور، تشمل: سورة المطففين، سورة الهمزة، وسورة المسد.
- البدء بالتعليل
يتمثل في سورة واحدة فقط، وهي سورة قريش.
- البدء بأسلوب الاستفهام
مثل: سورة الشرح وسورة النبأ، ويبلغ عددها ست سور.
- البدء بأسلوب الشرط
مثل: سورة الواقعة وسورة المنافقون، وتضم سبع سور.
- البدء بأسلوب القسم
مثل: سورة الضحى وسورة الشمس، ويصل عددها إلى خمس عشرة سورة.
الحروف المقطعة في فواتح السور
تُعتبر بداية سور القرآن بالحروف الهجائية المقطعة من أبرز ملامح الاستهلال. وقد بذل علماء التفسير جهودًا كبيرة في تحليل هذه الحروف، نظرًا لفرادتها وقدرتها على جذب الانتباه. وغالبًا ما يتبعها ذكر القرآن الكريم وصفاته المنزّهة عن النقص والتي تحمل المجد والعزة.
إذا كانت فواتح جميع السور تبدأ بالحروف المقطعة، فقد لا يشير ذلك إلى إعجاز القرآن، ولكن تتجلى عجائب القرآن دائمًا. حيث يمكن أن يجد من يفتح الله عليه بحورًا من الحكمة ورؤى تتعلق بهذه السور دون غيرها بسبب انطلاقها بالحروف المقطعة.