دراسة حول أهمية التعاون في الإسلام

التعاون: تعريفه لغويًا واصطلاحًا

تستمد كلمة “التعاون” في اللغة العربية أصلها من “العون”، حيث تشير العرب إلى العون بمعنى تقديم المساعدة أو الدعم للآخرين. فعندما يُقال “فلان عوني”، يُقصد به أنه الشخص الذي يقدم المساعدة، وينطبق ذلك أيضًا على التعبير “استعنت به فأعانني”. كما يمكن وصف التعاون بأنه مدد متبادل بين الأفراد. وبالتالي، يعني التعبير “لقد تعاونَّا” أننا دعمنا بعضنا البعض.

عند تحليل الإشارات المتعلقة بكلمة “العون” في القرآن الكريم، نجد أنها تشير إلى الدعم الذي يعزز القوة. ومن هنا، يمكن تعريف التعاون اصطلاحًا بأنه: مساعدة الآخرين في الوصول إلى الحق، طلبًا للأجر من الله عز وجل، من خلال توظيف القدرات والإمكانات التي منحها الله -تعالى- في خدمة الدين والمجتمع.

دعوة القرآن الكريم للتعاون بين الأفراد

تعتبر الآية القرآنية الأشهر التي تؤكد على أهمية التعاون في الأمور التي تعود بالنفع على الناس، هي قوله -تعالى-: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ). حيث أمرت الآية بالتعاون في القضيتين الرئيسيتين: البر والتقوى، وناهيت عن التعاون في الإثم والعدوان. الأمور الأربعة التي تتعلق بهذه الآيات هي كما يلي:

  • (الْبِرِّ): يشير إلى التعاون في تعزيز فعل الخير وتوسيع دائرته.
  • (التَّقْوى): يتعلق بالتشجيع على تجنب ما يضر بالأفراد في دينهم أو دنياهم.
  • (الْإِثْمِ): يشير إلى النهي عن ارتكاب المعاصي والموبقات.
  • (الْعُدْوانِ): يتعلق بتحذير الأفراد من تجاوز حدود الشرع والمعايير الاجتماعية في التعامل.

أحاديث نبوية تحث على التعاون ومناقشتها

يتواجد العديد من الأحاديث النبوية التي تدعو إلى التعاون بين الناس، مثل حديث أبي سعيد الخدري الذي يروي توجيه النبي الكريم للمسافرين حيث قال: (مَن كانَ معهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا ظَهْرَ له، وَمَن كانَ له فَضْلٌ مِن زَادٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا زَادَ له). المقصود بالظهر هنا هو الراحلة التي يستخدمها المسافر.

كما روى النبي الكريم حديثًا يشجع على تقديم الدعم المالي للمحتاجين، حيث قال: (مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفْسِ عن مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عنْه). ويشير هنا إلى ضرورة إتاحة المجال للمحتاجين وتخفيف أعباء الديون عنهم.

أوضاع الأفراد في إطار التعاون مع الآخرين

حدد الماوردي أوضاع الأفراد فيما يتعلق بقبولهم لمبدأ التعاون على عدة فئات، وهي كما يلي:

  • الشخص الذي يعين ويستعين:

هذا الشخص يعتبر معطيًا ومتوازنًا، حيث يؤدي ما عليه من واجبات، ويستعيد حقه عند الحاجة. يشبه وضعه وضع المقرض الذي يدعم الآخرين عند الطلب، وبالتالي فهو موضع شكر في مجتمعه.

  • الشخص الذي لا يعين ولا يستعين:

يترك الناس هذا الشخص، لأنه يمنع خيره، وإن كان قد يحد من شره. فهو ليس بالصديق المتوقع، بل يشبه الصورة الجميلة المعروضة دون فائدة حقيقية، فليس له ثناء أو ذم، ويميل الناس إلى تجاهله.

  • الشخص الذي يستعين ولا يُعين:

هذا الشخص يُعتبر لئيمًا وغير موثوق، إذ يستغل الآخرين دون تقديم أي مساعدة. فهو يظهر علامات الاستفادة دون أن يكون له أي دور في تقديم العون.

  • الشخص الذي يُعين ولا يستعين:

هذا الفرد يتمتع بكرم غير عادي ويرغب في مساعدة الآخرين دون طلب المساعدة لنفسه. فهو يُعتبر من أفضل الأصدقاء الذين يستحقون الاحتفاظ بهم، ولذا يجب على من يتعرف عليه أن يحرص على المحافظة على صداقته.

Scroll to Top