الفلسفة الطبيعية
تجسد الفلسفة الطبيعية أحد تيارات العلوم الحديثة، حيث ارتبطت بشدة في العصور الوسطى وحققت ذروتها خلال الثورة العلمية في القرن السابع عشر. كان هناك اتجاهان متباينان في البحث العلمي خلال تلك الفترة: أحدهما مزج بين الفلسفة الطبيعية للقرنين الخامس عشر والسادس عشر، مع التنوع الذي تسود في العصور الوسطى.
يعبر مصطلح الفلسفة الطبيعية عن دراسة الظواهر الطبيعية. وقد أصبحت هذه الفلسفة علماً عندما أصبح اكتساب المعرفة يعتمد على التجارب التي تجرى وفق أسس علمية، مع التركيز على دقة الملاحظات، والتفكير النقدي، والتحليل المنطقي. يُعتبر دور الفلسفة الطبيعية في عصر النهضة بمثابة تمهيد للعلم الحديث، رغم أنها قد تتجاهل بعض التخصصات التي تُعتبر اليوم غير مهنية، مثل علم الفراسة وعلم التنجيم والسحر.
لم يكن نهج الفلسفة الطبيعية ثابتاً أو تقليدياً، بل بالعكس، حيث قام مفكرون مثل جان بوريدان، بياجيو بيلاكاني ونيكول أوريسم بإدخال تغييرات جديدة في الفيزياء والميكانيكا الأرسطية في أوروبا. وكانت الجامعات في العصور الوسطى خاضعة بشدة لسلطات محددة، حيث كان للميتافيزيقيا واللاهوت تأثير بالغ، مما قيَّد خطوات التطور في النظريات العلمية.
تاريخ الفلسفة الطبيعية
تعود جذور الفلسفة الطبيعية إلى الفترة الفلسفية السائدة في ألمانيا بين عامي 1790 و1830، حيث ارتبطت بشكل رئيس بفريدريش شيلينغ وجي دبليو إف هيجل، اللذين دعما العلوم والعالم الفيزيائي بشكل كبير.
تُعتبر بداية العلوم الطبيعية خاضعة للفلسفة، وبخاصة الفلسفة الطبيعية في الجامعات الأوروبية. ويشغل الأساتذة في الفيزياء حالياً المناصب العليا في هذا المجال، حيث تعود أصول مصطلحات العلوم الموجودة اليوم إلى القرن التاسع عشر، مع الإشارة إلى ويليام هويويل الذي ابتكر مصطلح “عالم”.
وفقاً لقاموس أكسفورد الإنجليزي، يعود استخدام الكلمة إلى عام 1834، إذ لم تكن كلمة “علوم” تعبر عن معارف مترسخة. في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بدأت الفلسفة الطبيعية تشير إلى العلوم الفيزيائية، وفي القرن السادس عشر، تم تعيين أول بروفسور في الفلسفة الطبيعية في جامعة بادوا.
مع بداية القرن التاسع عشر، شهدت مساهمة العلماء في مجالات الفيزياء والكيمياء تطورات غير مسبوقة، وبذلك أصبحت الفيزياء تُعتبر مرادفاً للفلسفة الطبيعية. من أبرز الأعمال في هذا الإطار هو تقديم إسحاق نيوتن للدراسة العلمية في كتابه “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعة” عام 1687، وكذلك الدراسة التي قدمها لورد كلفن وبيتر جوثري تيت في عام 1867 حول الفلسفة الطبيعية والفيزياء الحديثة.
مساهمات الفلسفة الطبيعية في تقدم البشرية
أسهمت الفلسفة الطبيعية بشكل فعّال في فهم الظواهر الطبيعية وربطها بمسارات الحياة المختلفة. وقد أثرت على ظهور مناقشات علمية وتنضيد الأبحاث والاكتشافات، مما ساهم في توضيح العديد من الحقائق الطبیعية. وتشمل المساهمات الرئيسية ما يلي:
- أدت الاكتشافات الحديثة في العلوم إلى انبثاق مناقشات فلسفية جديدة، مما أتاح استكشاف الخصائص الأساسية للتكنولوجيا الجديدة من خلال مراقبة وقياس الظواهر الفيزيائية، وبدورها أسست لفهم أعمق لطبيعة المادة والعالم غير المرئي.
- أظهرت تطبيقاتها في علم الفلك والفيزياء القدرة على اكتشاف العلاقات الرياضية والهندسية، وتغيّرها عند التطبيق في ظروف معينة، مما حفز على طرح تساؤلات جديدة وفهم الحقائق بوسائل متجددة.
- لعبت دوراً مهماً في تطور البيولوجيا الطبيعية، مثل الهندسة الوراثية والتلقيح الاصطناعي وزراعة الأعضاء والاستنساخ والعلاج الجيني، واستخدام المبيدات مثل الأسمدة ومبيدات الحشرات.
- ساهمت أيضًا في فهم العمليات الحيوية مثل النمو والتكاثر، مما عزز من عمق المعرفة في مجالات العلوم الحياتية.
- ولا يمكننا إغفال البعد الأخلاقي الذي ناقشته هذه الفلسفة، إذ أثار العلماء تساؤلات حول الجدوى البيئية لتقدم التكنولوجيا وتوزيع الموارد، وتأثير هذه التكنولوجيا على توازن القوى السياسية. من الأمثلة البارزة على هذه النقاشات قضية الاحتباس الحراري، والجهود المبذولة ضد الأسلحة النووية، والتشريعات الصارمة التي تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية.
- كذلك، ساهمت الميتافيزيقا في فهم الكون وتصميمه، موفرة إطاراً لفهم العالم الخارق وعلاقته بالعالم المادي.