ما الذي يميز الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود؟

إسهام عبد الله بن مسعود في خدمة القرآن الكريم

تعليم النبي له ومكانته العلمية

كان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود معروفًا بعلمه الواسع في القرآن الكريم، حيث قال عنه أبو مسعود الأنصاري: “والله ما أعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك أحداً أعلم بكتاب الله من هذا، ويقصد عبد الله بن مسعود”.

كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته بأن يأخذوا القرآن الكريم من أربعة من الصحابة، وكان ابن مسعود هو أول من ذُكر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد، فبدأ به، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة”. وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- قراءة ابن مسعود بأنها تتوافق تمامًا مع ما نزل، فقال: “من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد”.

الجرأة في تلاوة القرآن

تميز الصحابي عبد الله بن مسعود بالشجاعة، إذ كان أول من جهر بالقرآن الكريم في مكة أمام المشركين، متحديًا لهم ومبرزًا قوة إيمانه. فقد جاء في حديث عروة بن الزبير: “أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن مسعود”.

وتتحدث القصة حول جهره بالقرآن عن يومٍ اجتمع فيه بعض الصحابة، حيث كانوا يتشاورون حول أن قريش لم تسمع القرآن يُقرأ جهراً. فتطوع ابن مسعود، رغم مخاوفهم من تعرضه للأذى لعدم وجود عشيرة له، وأكد لهم أن الله سيكون معه. وتوجه إلى المقام وبدأ بقراءة: “بسم الله الرحمن الرحيم”، ثم تلا: “الرَّحْمَـنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ”، مما دفع قريشًا ليتساءلوا عما يقوله ابن أم عبد، وعندما علموا أنه يقرأ القرآن، هاجموا عليه وضربوه.

استمر في القراءة حتى بلغ ما شاء الله أن يبلغه، ثم عاد إلى أصحابه وقد تعرض لأذى المشركين، فقالوا له: “هذا ما كنا نخاف عليك”، لكنه أظهر تحديه قائلاً: “ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم، لأغادينهم بمثلها غدًا”، فقالوا: “لا، لقد أسمعتهم ما يكرهون”.

سعة علمه في القرآن الكريم

كان ابن مسعود يعرض القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- سنويًا، وكان -رضي الله عنه- حاضراً في العرضة الأخيرة، مما يجعله من أوائل الصحابة معرفةً بالقرآن الكريم. وقد قال ابن سيرين: “قال عبد الله بن مسعود: لو أعلم أحدًا أحدث بالعرضة الأخيرة مني لتناله الإبل”.

ومن الأمثلة على سعة علمه –رضي الله عنه– تفسيره للآيات، حيث قام بتفسير الآية: “إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّـهِ”، وأوضح قائلاً: “إن معاذاً كان أمة قانتا”، ثم سُئِل عما يعنيه بالأمة، فأجاب أن الأمة هي من يعلم الناس الخير، والقانت هو من يطيع الله ورسوله.

إتقانه للقرآن الكريم

يُعتبر عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- من أوائل الصحابة الذين أتقنوا حفظ القرآن بالكامل في زمن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. وقد روى عنه بسند ضعيف أنه قال: “قرأت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعين سورةً وختمت القرآن على خير الناس علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-“.

ملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام

رافق الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود النبي -صلى الله عليه وسلم- بشكل دائم، حتى اعتقد البعض أنه من أسرته. قال أبو موسى الأشعري: “لقد رأيت رسول الله وما أرى إلا ابن مسعود من أهله”. وقد قربه النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا، حيث كان صاحب سره ورافقه في السفر بفراشه وسواكه ونعليه وطهوره.

حقق ابن مسعود مكانة عظيمة بين الصحابة، إذ شهد أبو موسى وأبو مسعود بعد وفاته: “أتراه ترك بعده مثله؟” فقال أحدهما: “إن قلت ذاك، كان يؤذن له إذا حجبنا، ويشهد إذا غبنا”. وقد أثرت مرافقته للنبي –صلى الله عليه وسلم- كثيرًا على شخصيته، حيث وصفه حذيفة بن اليمان بقوله: “ما أعرف أقرب سمتًا وهدى ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد”.

الفقيه ابن مسعود

كان عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه– من أكثر الصحابة فتوى، وقد وضع منهجًا لفتواه والذي التزم به، حيث شهد له الصحابة بعلمه وفضلوه على غيره. قال التابعي عبد الله بن بريدة في تفسير هذه الآية: “قالوا الذين أوتوا العلم ماذا قال آنفًا”؛ إنما يعكس ذلك أهمية ابن مسعود في العلم.

  • ذكر علي بن أبي طالب أنه كان عالمًا بالقرآن والسنة

كما شهد له علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بقوله: “قرأ القرآن فأحل حلاله وحرم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنة”.

  • أوصى معاذ بن جبل بالرجوع إليه في الفتوى

نظرًا لعلمه الواسع وفقهه، أوصى الصحابة بالرجوع إليه في الفتوى، حيث قال معاذ بن جبل قبل وفاته: “التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام”.

  • اعتبره ابن القيم من المكثرين من الصحابة في الفتوى

قال ابن القيم في كتابه “إعلام الموقعين عن رب العالمين”: “إن ابن مسعود من الصحابة السبعة المكثرين من الفتوى ومن الذين نقل عنهم”.

  • منهجه في الفتوى

أفاد -رضي الله عنه- بأن الفتوى تعتمد أولاً على النظر في كتاب الله، ثم في السنة النبوية، ثم بفتوى الصحابة والصالحين، وإذا لم يجد المجتهد مصدرًا في هذه المراجع، فإنه يستنبط برأيه الخاص.

Scroll to Top