تحليل رواية “شرق المتوسط” للكاتب عبد الرحمن منيف

التحليل الموضوعي لرواية شرق المتوسط

تُعتبر رواية “شرق المتوسط” واحدة من أبرز مؤلفات أدب السجون السياسية، حيث قام بتأليفها الكاتب عبد الرحمن منيف عام 1972. تُعد هذه الرواية أول إصدار له، وتهدف بشكل رئيسي إلى تصوير حياة السجناء وما يتعرضون له من تعذيب، فضلا عن الحياة التي يعيشها ذووهم بعد خروجهم. اختار المؤلف أن تدور أحداث الرواية في إطار واسع تحت عنوان “شرق المتوسط”، مما يمنحها شمولية تتميز بها.

تسرد الرواية كيف أن السجن سلب من بطلها كل شيء، بما في ذلك سنوات عمره وفقد والدته وخسارة حبيبته. وعندما لم يعد بوسعه تحمل العذاب، قرر أن يوقع على ورقة اعتراف ويصبح خائنًا في نظر زملائه، فقط ليخرج من السجن.

التحليل الأسلوبي لرواية شرق المتوسط

اعتمدت الرواية على تقنية الاسترجاع (Flashback) لعرض الأحداث. تبدأ بالحديث عن رجب إسماعيل، وهو سجين سياسي سابق بصدد السفر على متن باخرة لتلقي العلاج من مرض الروماتيزم. يستعيد من خلالها ذكرياته خلال فترة سجنه التي امتدت لخمسة أعوام، حيث دفع الثمن المطلوب منه بالكامل، وهو الاعتراف.

تقوم الأحداث في الرواية على ما يتذكره البطل، وقد تمكن الكاتب من تقديم أسلوب سردٍ سلس وجذاب يجعل القارئ متشوقًا لمتابعة الأحداث.

الاستعارة والصور الفنية في رواية شرق المتوسط

تتميز رواية “شرق المتوسط” بعمقها الفني ووضوح معانيها الفلسفية، حيث يستهدف الكاتب القارئ العادي. كان عبد الرحمن منيف فنانًا تشكيليًا قبل أن يصبح كاتبًا، مما أضفى بعدًا فنيًا على أسلوبه الروائي. انغمس منيف في كتابة الرواية، وظن أن هذا الانخراط هو مجرد تجربة عابرة، لكنه وجد نفسه مستغرقًا في الإبداع. لذا، يجمع بين روح الكاتب الروائي والفنان التشكيلي، محاولا تصوير الشخصيات بشكل حي على الورق.

الحوار والسرد في رواية شرق المتوسط

ركز الحوار والسرد في الرواية على العناصر التالية:

  • استخدام الحوار الداخلي.

مثلاً، يقول رجب لنفسه: “آه ما أتعس الإنسان حين يفقد القدرة على التعبير عما يختلج في نفسه”. عقب خروجه من السجن، يتساءل: “لم أكن أملك بندقية ولم أقتل أحدًا”.

  • السرد من منظور المتكلم وعلى لسان عدد من الشخصيات.

يظهر السرد التناوبي بين بطل الرواية وأخته أنيسة، مما يتيح التعددية في عرض الأحداث من وجهات نظر مختلفة، ويعكس هذا الأسلوب رؤية شاملة للقضية المطروحة.

تحليل شخصيات رواية شرق المتوسط

تحتوي الرواية على مجموعة من الشخصيات الأساسية والثانوية:

الشخصيات الرئيسية تشمل:

  • رجب:

الشخصية المحورية في الرواية، وهو شاب مثقف يتدرج من القراءة المعتادة إلى الكتب المحظورة التي تناقش قضايا حقوق الإنسان، وينتهي به المطاف للاعتقال بسبب نضالاته.

  • أنيسة:

أخت رجب، التي تحولت إلى أم ثانية له بعد وفاة والدته. كانت تروي له قصصًا عن الحياة خارج السجن، وفي النهاية تأثرت بفلسفته وتبنت نهجه.

  • أم رجب:

تبقى الأم حاضرة في الرواية رغم وفاتها، حيث تسرد الكثير عن علاقة رجب بها وبالأشخاص من حوله، ولها تأثير كبير على صموده. بدأت بتوجيه النصح له بالابتعاد عن السياسة، لكنها تراجعت بعد اعتقاله طالبة منه الصمود.

الشخصيات الثانوية تشمل:

  • السجّان:

يبقى السجان ثابتًا طوال الرواية دون تغيير.

  • الدكتور:

طبيب سجناء.

  • حامد:

زوج أنيسة، الذي يتبنى ذات أفكارها.

  • عادل:

ابن أنيسة وحامد.

  • ليلى:

ابنة أنيسة وحامد.

  • أسعد:

الأخ الأكبر لرجب، الذي يظل بعيدًا عن عائلته رغم الظروف الصعبة التي مرت بها.

  • هادي:

مناضل وزميل رجب في السجن.

  • سعد الدين:

مناضل يُعتبر خائنًا منذ اللحظة الأولى.

تنقسم الشخصيات إلى شخصيات نامية تتطور مع مرور الأحداث، مثل رجب وأم رجب وأنيسة وحامد، وشخصيات ثابتة تبقى على حالها مثل السجان وأسعد.

آراء نقدية حول رواية شرق المتوسط

تعددت آراء النقاد حول هذه الرواية، وأبرز هذه الآراء تشمل:

  • الناقد وائل الحناوي:

وصف الحناوي رواية منيف بأنها واحدة من أجمل الروايات العالمية، معتبرًا إياها وثيقة تبرز واقع الإنسان العربي، ويشير إلى الدقة في تصوير الوضع داخل المعتقل وعائلات المعتقلين، مؤكدًا أن منيف لم يحدد زمان الرواية أو مكانها.

  • الناقدة هناء عبيد:

أشادت هناء عبيد بقدرة عبد الرحمن منيف على نقل تجربة السجين السياسي في البيئات القاسية، ولكنها أشارت إلى أن الرواية لم تتطرق بشكل تفصيلي إلى أسباب الاعتقال، حيث اكتفت بذكر أن السجناء كانوا يسعون إلى مجتمعات أكثر حرية وسعادة.

Scroll to Top