أنا كنت من بين الذين ظلموا

تفسير عبارة (إني كنت من الظالمين)

تعد هذه العبارة من الأهمية بمكان، حيث نطق بها سيدنا يونس -عليه السلام- أثناء وجوده في بطن الحوت كما ورد في قوله -تعالى-: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). تشير عبارة (إني كنت من الظالمين) إلى خروجه عن قومه دون إذن من ربه، ويُفسر أيضًا على أنه اعتراف من نبي الله يونس بذنبه ورغبته في التوبة.

أهمية الدعاء الذي يتضمن عبارة (إني كنت من الظالمين)

تعتبر عبارة (إني كنت من الظالمين) تنبيهًا للدعاء، وليست صيغة صريحة له. فقد وردت ضمن الآية التي استنجد بها سيدنا يونس -عليه السلام-. وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- فضل هذا الدعاء بالصيغة الكاملة حيث قال: (دعوةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعَا بها وهو في بطْنِ الحُوتِ؛ لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبحانَكَ إنِّي كُنتُ من الظالِمينَ، لمْ يدْعُ بها رجلٌ مُسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجابَ اللهُ له). مما يدل على أن الدعاء بهذه العبارة يعد سببًا لاستجابة الدعاء، ويجب أن يتضمن الاعتراف بالذنب كوسيلة للتوسل.

فوائد الاعتراف بالذنب والتقصير

يعتبر اعتراف المسلم بذنبه واعترافه بخطأه دون تملص من ذلك من آداب الدعاء، وهو من أسباب قبول الدعاء. كما أن التوبة والرجوع إلى الله والتقوى تُعد من أبرز عوامل استجابة الدعاء ورفعه إلى الله -سبحانه وتعالى-. وقد قال يحيى بن معاذ الرازي: “لا تستبطئ الإجابة إذا دعوت، وقد سددت طرقها بالذنوب”.

كما تقدم الإقرار بالذنب والتقصير على طلب المغفرة في قوله -تعالى-: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). وهذا يعكس أدب المسلم عند طلب المغفرة وفك الكرب، وهو الأسلوب الذي اتبعته الأنبياء عند الدعاء.

ومن الأدلة على ذلك، ما قاله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أدعُو به في صَلَاتِي، فقال: قُلْ: (اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ). تشير هذه العبارة إلى أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، مما يدل على أن الإنسان قد وضع نفسه في موقف لا يرضاه الله -عز وجل-. وبذلك، يُظهر الدعاء توسلًا من خلال الاعتراف بتقصير النفس، وهو من أنواع التوسلات المحبوبة لدى الله -عز وجل-. رغم اختلاف الصياغة، يبقى المعنى والمقصد واحدًا.

Scroll to Top