تعتبر قراءة القرآن للحائض موضوعًا مهمًا يتعلق بالعبادات والثواب والعقاب. إن قراءة القرآن تعد من أسمى العبادات التي تساهم في القضاء على الفواحش وتذكير الناس بالله، بالإضافة إلى إضفاء الطمأنينة على النفوس. لذلك، يُعد الذكر الإلهي مثارًا للسكينة، خاصة في أوقات الضعف الجسدي والنفسي التي تمر بها الحائض.
تواجه الكثير من النساء مشاعر القلق والضيق أثناء فترة الحيض، ومن هنا تأتي أهمية قراءة القرآن كعبادة تحمل ضوابط محددة خاصة بالحائض وفقًا لآراء عدد من العلماء. في السطور القادمة، سنستعرض بعض النقاط الأساسية المتعلقة بهذا الموضوع.
أهمية قراءة القرآن للحائض وفي أوقات الطهارة
- تمتاز قراءة القرآن بأجور عظيمة تعزز من تقوى المؤمن وإيمانه وتساعده في تجنب الفواحش.
- كما تعتبر سببًا من أسباب الرزق الوفير كما ذكر الله تعالى في كتابه: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
- قارئ القرآن تنعمه الملائكة بالرحمة منذ أن يهم بذلك وحتى ينتهي. كما يشفع له القرآن على يوم القيامة ويكون ممن أنشأ على القرآن تحت ظل عرش الرحمن، محصنًا من الفزع الأعظم.
- يُحصّل كذلك على الأمان من الشدائد في الدنيا والآخرة، بالإضافة إلى كونه من الذاكرين الذين لا تتواجد الشياطين في بيوتهم ويكونون من السفراء الكرام.
أفضل الأوقات للذكر وقراءة القرآن للحائض
- يستحب أن تتلى آيات القرآن في كل أوقات الصلاة، وقد تفضل بعض النساء ممارسة تلاوة القرآن أثناء جلوسهن على سجادة الصلاة مع إشعال البخور، مما يعزز شعور الطمأنينة في قلوبهن.
- أفضل الأوقات للذكر والاستغفار هي الثلث الأخير من الليل، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ وهَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ وهَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ).
- أما وقت الفجر، فهو من الأوقات المستحب قراءة القرآن فيها، خاصة في شهر رمضان، وقتًا للمغفرة والرحمات.
- عندما تواجه المرأة حالات من التوتر النفسي والجسدي أثناء فترة الحيض، فإن الذكر وقراءة القرآن لا يُحظران عنها، بل يساهمان في تخفيف ورفع العبادات التكليفية في تلك الفترة مثل الصلاة والصيام.
- يجب عدم إنكار الفضل والأجر الكبير المشار إليه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ).
- يجب أن تساعد المرأة على التمسك بصلتها مع الله لتعزيز إيمانها، ولا يجب أن يُعيقها ذلك عن الصلاة عند الطهارة، بل ينبغي أن تكون كل فترة حيض فرصة لتجديد الإيمان في قلبها وروحها.
ضوابط قراءة القرآن للحائض
- في عصرنا الحالي، تزايدت التطبيقات على الهواتف المحمولة التي تحتوي على القرآن الكريم مثل المصحف المتنقل، مما يمكن المرأة من قراءة القرآن في أي وقت، حيث لا يُعتبر ذلك مصحفًا.
- لذلك فإن قراءة القرآن من الهاتف لا تحتاج إلى شرط الطهارة، وذلك يتماشى مع شروط عدم لمس المصحف للجنب كما ذكر ابن تيمية ومالك.
- يُسمح أيضًا للحائض قراءة القرآن من كتب التفسير كون القرآن مختلطًا بكلمات أخرى، لذا لا يُحظر عليها طلب العلم بسبب الحيض.
- يمكنها استخدام القفازات عند لمس المصحف، أو أي حائل، كما يمكن القراءة عبر الشاشات المختلفة مثل الكمبيوتر وغيرها.
- توجد آراء مختلفة حول قراءة الحائض للقرآن؛ حيث اعتبر بعض الفقهاء أن غلاف المصحف الذي لا يحتوي على القرآن يُعتبر حاجزًا، ومن ثم يُفضل عدم لمس ورق المصحف بدون حائل.
- وأشار بعض الفقهاء إلى أنه يجوز للحائض قراءة القرآن في حالات معينة مثل نية الذكر والدعاء، أو بغرض التعليم.
- إذا كانت تخشى نسيان ما حفظته، وذلك وفقًا لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَقْرَأ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شيئًا مِنَ الْقُرْآنِ).
- يحظر قراءة القرآن في الأماكن غير النظيفة، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمتنع عن رد السلام في أماكن الخلاء، لذا فإن الامتناع عن القراءة هنا أولى.
- تُفضل عدم التلاوة أثناء الوضوء، حيث كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُسمّي الله – عز وجل – قبل الوضوء، وكان ممتنعًا عن الحديث أثناء ذلك.
الخلاف بين الفقهاء حول لمس المصحف
- الرأي الأول هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة، الذين منعوا لمس الحائض للمصحف بدون حائل استنادًا لقوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
- فُسر القول بأنه لا يمس المسلم القرآن حتى يطهر من الجنابة والحدث، لذا كان نص الآية خبرًا وطلبًا في ذات الوقت.
- القرآن هنا يُقصد به المصحف، إذ ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة عن السفر بألواح القرآن إلى بلاد العدو لأسباب تتعلق بالأمان.
- وذكرت عائشة رضي الله عنها أنها حاضت أثناء الحج، وعندما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وجدها تبكي. فقال لها: {ما لك؟ أنفِستي؟} فأجابت: نعم يا رسول الله. فقال: {هذا أمرٌ كتبه الله -عز وجل- على بنات آدم، فاصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي}.
رأي الشيخ ابن باز رحمه الله
- قال الشيخ: “يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن عن ظهر قلب، لأن مدتهما تطول فقياسهما على الجنب غير صحيح.
- لذا، لا بأس لإحداهن قراءة القرآن سواء في الامتحان أو خارجه عن ظهر قلب وليس من المصحف.”
- إذا احتاجت إحداهن إلى القراءة من المصحف فلا حرج عليها، بشرط أن يكون ذلك من وراء حائل.
رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
- يجوز للحائض قراءة القرآن من كتب التفسير وغيرها، خاصة إذا كانت تخشى نسيان ما تحفظه.
- إذا كانت القراءة من كتب التفسير، فلا يشترط الطهارة، ولكن إذا كانت من المصحف، يجب أن يكون هناك حائل بينها وبين المصحف.
- لأن مس المصحف ممنوع على المرأة الحائض أو التي ليست على طهارة.
- وسئل الشيخ عن حكم قراءة القرآن غيبًا من غير النظر، فأجاب: “إذا قرأت لسبب آخر بخلاف القراءة التقليدية، فلا بأس بذلك، سواء للرقية الشرعية أو لغرض آخر.”
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
قال: “إن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينهى أي منهن عن قراءة القرآن، كما لم يُنهَ عن الذكر والدعاء، بل أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للحائض أن يخرجن يوم العيد للتكبير مع المسلمين.”
وأضاف: “لا توجد سنة تمنع النساء من قراءة القرآن. وكما أن النساء كن يحضن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لو كانت القراءة prohibited كما الصلاة، لكان ذلك قد أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وكان مُتناقلاً بين نساء المسلمين.”
لذا، لا حرج في قراءة المرأة الحائض للقرآن أو الاستفادة من الأذكار الشرعية، وإذا أرادت قراءة المصحف فلا بأس بشرط ألّا تمس المصحف إلا بحائل.