استعراض شامل لحياة سعد زغلول وأثره على التاريخ المصري

سعد زغلول

وُلِد سعد زغلول في الأول من يونيو عام 1859م في قرية إبيانة التابعة للمديرية الغربية. والده، الشيخ إبراهيم زغلول، كان عميد القرية، وتوفي عندما كان سعد في السادسة من عمره، الأمر الذي أدى إلى أن يتولى أخوه الأكبر رعايته. بدأ سعد تعليم القراءة والكتابة في كُتّاب القرية، ثم انتقل إلى مدينة دسوق لتعلم تجويد القرآن. وعندما بلغ الحادية عشرة، التحق بالأزهر حيث حرص على حضور الدروس، خاصةً تلك التي كانت يديرها جمال الدين الأفغاني في منزله، ودروس الشيخ محمد عبده.

حياته المهنية

في عام 1880م، عندما عُهد للشيخ محمد عبده بتحرير صحيفة الوقائع المصرية، عيّن زغلول محرراً في القسم الأدبي، وظل يعمل حتى عام 1882م. لما أظهره من مواهب قانونية، كلفته الحكومة بمنصب معاون في وزارة الداخلية في مايو 1882م. وقد أكدت مهارته في نقد الأحكام وفهم مجالات القانون على قدراته، مما أهله لتولي وظيفة ناظر قلم الدعاوي في مكتب الجيزة في سبتمبر من نفس العام.

ممارسته للمحاماة

أسس سعد زغلول مكتباً للمحاماة بالتعاون مع صديقه حسين صقر، وساهم بشكل فعال في رفع مكانة هذه المهنة التي كانت تُعتبر أقل شأناً في المجتمع، بفضل نزاهته وأمانته الراسختين ورفضه الدفاع عن القضايا الباطلة. عُيّن في لجنة الحكومة لإصلاح قانون العقوبات، وقد اختارته الأميرة نازلي فاضل وكيلاً لأعمالها بسبب سمعته الجيدة.

في عام 1892م، عُرضت عليه وظيفة نائب قاضٍ بمحكمة الاستئناف، كما درس اللغة الفرنسية في نفس العام، والتحق بجامعة باريس في عام 1896م. خلال نفس السنة، تزوج من صفية ابنة مصطفى فهمي باشا الذي كان رئيساً للنظار في تلك الفترة. تخرج بحصوله على ليسانس في الحقوق عام 1897م.

استمر في مهنة القضاء لمدة أربعة عشر عاماً، وصعد في السلم الوظيفي ليصل إلى رتبة المستشار، وعمل كعضو ورئيس في دوائر الجنايات والجنح المستأنفة، بالإضافة إلى محكمة النقض.

توليه الوزارة

أصبح مستشاراً لنظارة المعارف في عام 1906م، حيث سجل تأثيراً ملموساً في العملية التعليمية بمصر. شارك في تأسيس الجامعة المصرية بالتعاون مع شخصيات مثل الشيخ محمد عبده وقاسم أمين ومحمد فريد، فضلاً عن إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي وزيادة ميزانية التعليم. كما عمل على محاربة الأمية من خلال زيادة عدد الكتاتيب في القرى الصغيرة، ورفع المعونة المالية المخصصة لها. ومع عودته للتعليم باللغة العربية لبعض المواد، تولى بعد ذلك وزارة الحقائق، لكن كثرة اصطداماته مع الاحتلال البريطاني دفعته لتقديم استقالته.

تأسيس حزب الوفد

أثناء الحرب العالمية الأولى، عانى الشعب المصري من سوء المعاملة من الاحتلال الإنجليزي، حيث أُجبروا على التطوع في صفوف القتال. وتعرض الكثير من أبناء الفلاحين للاحتجاز للمشاركة في هذه الحرب، بينما أُجبر الفلاحون على زراعة محاصيل معينة لتلبية احتياجات الحرب، مما أدى لتفاقم البطالة والعنف. وعلى الرغم من محاولات الحكومة لتوزيع الخبز، إلا أن ذلك لم يُجدِ نفعاً.

تأسس حزب الوفد عام 1918م بهدف الدفاع عن قضايا المصريين، وعقدت العديد من الاجتماعات لمناقشة أوضاع البلاد بعد الحرب. ضم الحزب شخصيات بارزة منها سعد باشا زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي الشعراوي، وتم جمع التواقيع من أصحاب الشأن لتوكيلهم بتمثيل المصريين سعياً لتحقيق استقلال مصر بطرق سلمية. أثار هذا التحرك غضب الاحتلال، مما أدى لاعتقال سعد زغلول ونفيه إلى جزيرة مالطا مع مجموعة من أصدقائه، وهو الأمر الذي أسفر عن حدوث اضطرابات واسعة النطاق، مما قاد إلى اندلاع ثورة 1919م.

ثورة 1919

بعد نفي سعد زغلول ورفاقه، بدأت المظاهرات في الجامعات والمدارس العليا، حيث شارك جميع الطلاب، بما في ذلك طلاب الأزهر. خلال أيام قليلة، انتشرت الثورة في العديد من المدن والقرى، حيث قام عمال الترام في القاهرة بالإضراب مما أدى إلى شل حركة النقل. ومع تعويض السلطات البريطانية بجنود تدريبهم لغياب العمال المصريين، تسارع إضراب عمال السكك الحديدية، مما دفع إنجلترا لعزل الحاكم البريطاني، مما أدى لإطلاق سراح زغلول وأصدقائه وعودتهم إلى مصر. سُمِح لحزب الوفد برئاسة سعد زغلول بالذهاب إلى مؤتمر الصلح في باريس لمناقشة قضية مصر.

نظراً لعدم استجابة أعضاء مؤتمر الصلح لمطالب حزب الوفد، عاد الثوار إلى حماسهم السابق، حيث بدأوا بمقاطعة البضائع الإنجليزية. وتم اعتقال سعد زغلول مرة أخرى ونفيه إلى جزيرة سيشل في المحيط الهندي، مما أدى لاندلاع ثورة أكبر من سابقتها. بذلت السلطات البريطانية جهوداً لقمع هذه الثورة ولكن محاولاتهم فشلت.

أرسلت قوات الاحتلال لجنة لتفقد الأوضاع في مصر، لكن الشعب المصري قاوم بكل الوسائل لإرغامهم على التفاوض بشكل مباشر مع سعد زغلول. وأقرت اللجنة بأهمية حصول مصر على استقلالها مع أخذ بعض التوصيات بعين الاعتبار لحماية المصالح البريطانية. في عام 1923م، عاد سعد زغلول إلى مصر، حيث استقبله حشد كبير بحفاوة، وتولى منصب رئاسة الوزراء بعد تحقيق حزب الوفد نسبة 90% من مقاعد البرلمان.

وفاته

توفي سعد باشا زغلول عام 1927م، حيث قررت حكومة عبد الخالق باشا ثروت إنشاء ضريح كبير له. دُفن بشكل مؤقت في مقبرة الإمام الشافعي، ثم تم نقل جثته في عام 1931م إلى ضريحه بالقرب من بيت الأمة. تم تشييد تمثالين له؛ أحدهما في القاهرة والآخر في الإسكندرية.

Scroll to Top