دراسة حول سهولة العبادات في الإسلام

يسر العبادات في الإسلام

تأتي تعاليم الشريعة الإسلامية بتيسير وسهولة تهدف إلى مراعاة احتياجات الناس وظروفهم الحياتية. إن العبادات المفروضة على المسلمين تتوافق مع العقل والفطرة، وتمتاز بالتوازن، فتجنب المبالغة التي قد تؤدي إلى نسيان الدنيا، وأيضًا التفريط الذي يؤدي إلى نسيان الآخرة. لذا، نجد أن كل تكليف أو أمر إلهي قد تطبقه الملايين من المسلمين عبر العصور دون أي صعوبة، حيث قال الله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

وعلى الرغم من أن العبادات تؤدى بسهولة في الظروف العادية، فإن الشريعة تمنح المزيد من التيسير للرّاجحين في حالات الضرورة، مثل رخصة المرضى والمسافرين، بالإضافة إلى تسهيلات مخصصة للفقراء والمحتاجين، مما يربط بين فريضة الحج والزكاة بين القدرة المالية والاستطاعة.

إن اليسر لا يعني التخلي عن الأوامر أو ارتكاب النواهي، بل يشير إلى الالتزام بأحكام الله ورعاية الواجبات، مع إدراك رحمة الله ولطفه بعباده، وشكره على عدم تكليفهم بما لا يطيقون. قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا). لذا، يُستحسن العمل بالعزائم في أوقاتها، وأخذ الرخص وفق ما جاء في النصوص الشرعية. في هذا المقال، سنستعرض بعض مظاهر اليسر في أداء العبادات في الإسلام.

اليسر في الصلاة

فرض الله على كل مسلم إقام الصلاة خمس مرات يوميًا، وذُكرت في الآيات الكريمة أهمية هذه العبادة التي تقرب العبد بخالقه، وهي تُعد الركن الثاني من أركان الإسلام. وبالتالي، نجد في كتب الفقه تفاصيل مشروعية الصلاة، والشروط المتعلقة بها، والمواقيت المحددة.

ونظرًا لأن الصلاة لا تسقط بعد البلوغ إلا في حالة الجنون، فقد منح الشرع بعض التيسيرات في ظروف معينة لتخفيف العبء عن المصلي. تشمل هذه التيسيرات الجمع والقصر للمسافر، وصلاة المريض وهو جالس، بالإضافة إلى إعفاء النساء من الصلاة خلال فترة الحيض والنفاس، وتنظيم صفوف المصلين أثناء الخوف من العدو.

الجمع والقصر للمسافر

تتضمن رخصة الجمع والقصر ما يلي:

  • جمع الصلاة

يقصد به أن يصلي المسلم الظهر والعصر معًا في وقت واحد، أو المغرب والعشاء كذلك. يمكن أن يحدث هذا إما بتقديم العصر لوقت الظهر، والذي يُعرف بجمع تقديم، أو بتأخير الظهر والمغرب لتأديتهما في وقت العصر والعشاء، الذي يُعرف بجمع تأخير.

  • القصر في الصلاة

يعني أن يصلي الصلوات الأربع ركعات بركعتين فقط، بينما تبقى صلاة المغرب كما هي.

فمن السنة التمسك بالرخص والتيسير، إذ يقوم المسلم بجمع وقصر الصلاة في حالات الشدة التي حددها الشرع، مثل:

  • الحاج في عرفات.
  • أثناء السفر.
  • عند المرض.
  • في حال هطول المطر الذي يبل الثياب، أو البرد الشديد الذي يصعب معه الوصول إلى المسجد عدة مرات.
  • أثناء الخوف.

صلاة المريض وهو جالس

عندما يُصاب المسلم بمرض أو يعاني من مشكلة صحية، تبقى الصلاة واجبة عليه. ولكن، من رحمة الله وتخفيفًا للعناء، فإن المريض يُطالب فقط بما يستطيع دون أن يُعرّض نفسه لمزيد من الألم. فالقيام في صلاة الفريضة واجب على السليم، أما المريض الذي يسبب له القيام أذى، فله أن يصلي جالسًا.

يمكنه السجود والركوع بما يستطيع، حيث ينحني حسب قوته. وتختلف الأمراض، فقد يكون قد يقدر على القيام والوقوف، لكنه يعجز عن الركوع والسجود، والعكس بالعكس. القاعدة في ذلك هي قوله تعالى: (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ). والله -عز وجل- عالم بقدرة الإنسان ومعاناته، رحيم به، والصلاة تمثل شفاء لعلته.

اليسر في الطهارة

المسلم يجب أن يكون طاهرًا في قلبه ونفسه من دنس الشرك والآثام، لكنه كإنسان قد يواجه مواقف يحتاج فيها إلى الطهارة، سواء عبر الوضوء أو الاغتسال، أو إزالة النجاسات عن الثوب والبدن والمكان. من يسر الشريعة ورحمتها أن الطهارة تُمارَس بدون تعقيد أو وساوس، وإذا لم يجد المسلم الماء، فعليه بالتيمم. وإذا أراد عدم خلع حذائه، فبإمكانه مسحه، بالإضافة إلى أحكام الطهارة التي تناسب الأمهات المرضعات، ومربي الماشية، وكذلك مرور الحيوانات مثل القطط على البيوت.

التيمم

قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ). يستطيع مَن لم يجد الماء، أو الذي يُصيب وصول الماء لأعضاء الوضوء بالأذى، أن يتيمم باستخدام التراب الطاهر بالضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة، ثم يمسح بها وجهه وكفيه.

المسح

قد يكون من الصعب على المسلم خلع خفه للوضوء في كل صلاة. ولذلك، تم إقرار حكم المسح على الخف تيسيرًا للمسلمين، إذ تُعتبر رخصة للمقيمين يوم وليلة وللمسافرين لمدة ثلاثة أيامًا بلياليهن. يتوجب على المسلم أن يتوضأ ويلبس الخف على طهارة، ويجب أن يكون الخف طاهراً وثابتًا على القدم، يغطيها بالكامل، وبعد ذلك فإنه يُسمح له أن يمسح على الخف بدلاً من الغسل، حيث يُمسح على السطح الخارجي وليس الداخلي.

اليسر في الصوم

يُعتبر الصيام ركنًا من أركان الإسلام، حيث يترك المسلم فيه شهوة الطعام اللذيذ والشراب، بالإضافة إلى الشهوة الجنسية، مما يُعزز مجاهدة النفس، ويعلمها الصبر، ويدعوها لترك سوء الكلام والأفعال، ابتغاءً لرضا الله. رغم أن الصيام قد يمثل مشقة تُحمل، إلا أن هذه المشقة محتملة وليس فيها ضرر، كما أنها تُعلمنا دروسًا عظيمة.

ومع ذلك، هناك بعض الرّخص التي تجيز ترك الصيام في رمضان. حيث قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). لذا، يُسمح للمسافر بالإفطار.

أما المريض الذي يؤدي الصيام إلى مضاعفات تؤذي صحته، وكذلك الحامل والمرضع، فإنهم يُستحسن أن يفطروا في حال نصحهم طبيب مسلم موثوق بأن الصيام يسبب ضررًا لهم. وفي هذه الحالة، يجوز لهم القضاء في وقت الصحة والقدرة. كما يسقط الصيام عن الحائض والنفساء، ويجب عليهما أن تقضيا في وقت الطهر.

اشتراط الاستطاعة لوجوب الحج

يُعتبر الحج ركنًا من أركان الإسلام، يتطلب من المسلم القدرة الجسدية والمالية التي قد تكون غير متوفرة للجميع. لذا، أوجب الله الحج مع الاستطاعة، وسقوطه عن غير القادر. كما قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا). وقد يُتاح للمسلم القدرة المالية ولكن يُمنع بسبب المرض، فيحق له توكيل شخص آخر لأدائه.

Scroll to Top