ما هي الأحافير؟
تُعرف الأحافير (بالإنجليزية: Fossils) أو المستحاثات بأنها بقايا أو آثار أو طبعات لكائنات حية تشمل الحيوانات والنباتات التي عاشت في فترات زمنية جيولوجية سابقة، وقد تم حفظها داخل طبقات القشرة الأرضية.
تمثل الأحافير صخورًا متحجرة؛ فهي ليست بقايا الكائن الحي بالمعنى الحرفي. يمكن للأحافير أن تحتفظ برؤية شاملة لجسم الكائن الحي أو جزء منه، حيث تُحفظ العظام والأصداف والريش والأوراق كأحافير.
تتراوح أحجام الأحافير بين الأحافير الدقيقة جداً، التي يمكن رؤيتها تحت المجهر مثل البكتيريا وحبوب اللقاح، إلى الأحافير الكبيرة التي قد يصل طولها إلى عدة أمتار ووزنها إلى عدة أطنان، مثل أحافير الأشجار المتحجرة وعظام الديناصورات.
تبدأ بقايا الكائنات المحفوظة بالتحول إلى أحافير عندما يصبح عمرها حوالي 10000 سنة. تعد أسنان الماموث الصوفي المتحجرة من بين أحدث الأحافير المكتشفة، بينما تعود أحافير الطحالب التي عاشت في المحيطات منذ 3 مليارات سنة إلى أقدم الأنواع المعروفة.
كيف تتشكل الأحافير؟
تبدأ عملية تشكيل الأحافير عندما تموت الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، وعادة ما تتحلل هذه الكائنات تمامًا. لكن في حال توافرت الظروف الفيزيائية والكيميائية المناسبة، يمكن أن تُحفظ هذه الكائنات في شكل أحافير.
تساعد بعض العمليات مثل التجمد والتجفيف والتغليف بالقطران على الحفاظ على كائنات كاملة كأحافير، مما يحفظ الأنسجة ويعطي انطباعاً حقيقياً عن شكلها أثناء الحياة، إلا أن هذا النوع من الأحافير يعتبر نادرًا.
يجدر بالذكر أن معظم الكائنات الحية باستطاعتها التحول إلى أحافير إذا خضعت لمختلف التغيرات، إذ يمكن أن تتسبب الحرارة والضغط الناجمين عن عملية الدفن العميق في إطلاق الأنسجة مثل أوراق النباتات والأجزاء الطرية من الهواء، مما يترك وراءه آثارًا من الكربون.
أنواع الأحافير
تُقسم الأحافير إلى خمسة أنواع رئيسية على النحو التالي:
أحافير الأجزاء الصلبة من الجسم
تمثل أحافير الجسم (بالإنجليزية: Body Fossils) بقايا هياكل الكائنات الحية الصلبة، حيث تُحفظ الهياكل العظمية الصلبة فقط كالأصداف والعظام بينما تتحلل الأجزاء الطرية مثل الجلد والعضلات والأعضاء الداخلية بعد موت الكائن الحي.
يمكن أن تُحفظ بعض الكائنات ذات الأجسام اللينة، مثل الحشرات المحنطة، في مادة العنبر، ولكن عادةً ما تُعتبر الكائنات ذات الهياكل الرقيقة مثل الحشرات والروبيان أقل احتمالاً للتحول إلى أحافير، وتبقى أحافير العظام والأسنان من بين الأنواع الأكثر شيوعًا.
القوالب
تمثل القوالب (بالإنجليزية: Molds) بصمة أو طبعة يتركها الهيكل العظمي الصلب على الصخور، كما هو الحال مع عظام الديناصورات المدفونة تحت طبقات الصخور والرواسب لفترة طويلة. تُصنّف القوالب إلى نوعين رئيسيين: القوالب الداخلية والخارجية.
يوجد نوع آخر يسمى قوالب الكاست (Casts)، وهي قوالب أحفورية تنشأ طبيعيًا عندما تُملأ الفراغات الناتجة عن إزالة القالب بالمواد الرسوبية.
أحافير التمعدن والأحافير المتحجرة
تتكون أحافير التمعدن (بالإنجليزية: Permineralization Fossils) عندما تتشبع مسامات بقايا الكائن الحي المدفون بالمياه الجوفية، مما يؤدي إلى تحلل بعض أجزائه واستبدالها بمواد أخرى مثل معادن الكالسيت والحديد والسيليكا. وبالتالي، تتشكل أحافير تمثل الشكل الأصلي للكائن المدفون ولكن بتكوين مختلف ووزن أثقل.
أما الأحافير المتحجرة (بالإنجليزية: Petrification Fossils) فهي تتشكل عندما يتم استبدال جميع المواد العضوية في الكائن المدفون بالمعادن ثم تتحول إلى حجر، مما يضمن حفظ الأنسجة الأصلية بتفاصيلها الكاملة، ويُعتبر الخشب المتحجر من أبرز الأمثلة على هذا النوع من الأحافير.
أحافير آثار الأقدام
تتكون أحافير آثار الأقدام (بالإنجليزية: Footprints Fossils) عندما تُدفن تلك الآثار في طبقات الطين وتصبح صلبة، مما يجعلها نوعًا من الأحافير المعروفة باسم الآثار الأحفورية (بالإنجليزية: Trace Fossils).
تساهم هذه الآثار في تقديم معلومات قيمة حول نمط حياة الكائنات الحية قبل موتها، مثل كيفية انتقالها وأماكن تغذيتها، ويمكن أن تشير بعض الانطباعات الأحفورية إلى أجزاء أخرى من الكائن، مثل الذيل الذي يسحبه على الأرض.
الكوبروليت أو البراز المتحجر
تعرف أحافير الكوبروليت (بالإنجليزية: Coprolites) أو البراز المتحجر بأنها فضلات متحجرة تقدم معلومات عن أماكن عيش الكائنات وطبيعة غذائها خلال فترة حياتها. تعتبر هذه الأحافير نادرة نسبيًا نظرًا لسرعة تحلل الروث.
تعد أحافير الكوبروليت الناجمة عن الكائنات البحرية من الأنواع الأكثر شيوعًا، لا سيما تلك التي تعود إلى الأسماك والزواحف، وتحتوي على بقايا الطعام غير المهضوم مثل الأسنان والأصداف والعظام، وتُحفظ من خلال عملية التحجر أو بواسطة القوالب.
ما هي طرق حفظ الأحافير؟
تُصنف طرق حفظ الأحافير إلى نوعين رئيسيين وهي:
حفظ البقايا غير المعدلة
يمثل حفظ البقايا الأحفورية غير المعدلة (بالإنجليزية: Unaltered remains) طريقة للحفاظ على المواد الأصلية للكائن الحي، بما في ذلك الأنسجة قبل موته، دون أن تتعرض للتغيير على مر الزمن. تُقسم الأحافير المحفوظة دون تعديل إلى نوعين رئيسيين:
البقايا المعدنية غير المعدلة
تتشكل البقايا المعدنية غير المعدلة (بالإنجليزية: Unaltered Mineralized Remains) عندما تتصلب أجزاء الكائنات الحية القديمة مثل الأصداف والهياكل العظمية الخارجية وتُستبدل بالمعادن مثل الكالسيت والأراغونيت، بينما تتحلل الأجزاء اللينة بعد فترة قصيرة من موت الكائن.
يعتبر هذا النوع من الحفظ شائعًا، خصوصًا لدى بعض الكائنات البحرية غير الفقارية، التي لا تمتلك هياكل عظمية داخلية.
البقايا المتجمدة
تعتبر طريقة الحفظ بالتجمد (بالإنجليزية: Frozen Remains) واحدة من أفضل الطرق لحفظ الكائنات القديمة بالكامل، حيث يتم الاحتفاظ بالكائن في التربة الجليدية القديمة في سيبيريا. يوفر هذا النوع من الحفظ معلومات قيمة حول تاريخ الحياة القديمة، ويدرس الأنسجة اللينة والأعضاء الأخرى لأجسام الكائنات المحفوظة.
البقايا المعدلة
تمثل البقايا المعدلة (بالإنجليزية: Altered Remains) الأحافير التي خضعت لتغييرات، حيث تختلف المواد التي تتكون منها الأحفورة جزئيًا أو كليًا عن تلك الأصلية عندما كان الكائن حيًا. فيما يلي أبرز أنواع حفظ البقايا المعدلة:
التمعدن والتحجر
تحدث عملية الحفظ بالتمعدن والتحجر لعظام الحيوانات وبعض النباتات، حيث تقوم المياه الجوفية بإيداع معادنها مثل الكالسيت والسليكا داخل الفراغات المسامية للعظام المدفونة، مما يحول تلك العظام إلى حجر ويكسبها كثافة أعلى.
الاستبدال والتبيرت
تحدث عملية الاستبدال (بالإنجليزية: Replacement) عندما يتم استبدال المواد الأصلية للكائن الحي بمواد جديدة بعد فترة قصيرة من موت الكائن. لذلك، فإن هذا النوع من الحفظ لا يحتفظ بالأجزاء الأصلية كما كانت أثناء حياة الكائن.
أما عملية التبيرت (بالإنجليزية: Pyritization)، فتحدث عندما تحل مادة معدنية تُعرف بالبريتين أو الذهب الكاذب محل معدن الكالسيت في الكائن الأحفوري، مما يمنح بعض الأحافير لونًا ذهبيًا. في بعض الحالات، تشمل عملية التصخر بالتبيرت الأجزاء اللينة، مما يكشف تفاصيل إضافية عن الكائنات القديمة.
إعادة التبلور
تتضمن عملية إعادة التبلور (بالإنجليزية: Recrystallization) تحول المعادن التي تتكون منها الأجزاء الصلبة في الكائن الحي إلى بلورات، سواء بعد وقت قصير أو طويل من دفن الكائن.
ينتج عن هذه العملية تغيير في التركيبة البلورية دون تغيير في الخصائص الكيميائية للمعدن، مثل تحول معدن الأراغونيت إلى معدن الكالسيت، الذي يعد أكثر استقرارًا من المنظور الجيولوجي لنفس المادة الكيميائية.
الكربنة
تحدث عملية الكربنة (بالإنجليزية: Carbonization) عندما تُدفن الكائنات الحية بسرعة في ظروف تفتقر إلى الأكسجين، مما يؤدي إلى تكوين أحافير كربونية تتميز باللون الأسود نظرًا لاحتوائها على عنصر الكربون، مثل الفحم. ومن الجدير بالذكر أن معظم الأحافير ذات الأجزاء اللينة تُحفظ عبر الكربنة.
تشمل أمثلة الكربنة الأحافير النباتية والحشرات، وأحافير طفل برجس (بالإنجليزية: Burgess Shale).
ما أهمية الأحافير؟
تتمتع الأحافير بأهمية علمية كبيرة لأسباب متعددة:
- توفير حقائق عن تاريخ كوكب الأرض، حيث تتواجد أحافير يعود عمرها إلى نحو 3.8 مليار سنة، أي أقل بمليار سنة من عمر الكوكب، مما يساعد في فهم تطور الحياة.
- تقديم معلومات قيمة عن كيفية عيش الكائنات الحية من الحيوانات والنباتات، وطرق تغذيتها وتكاثرها وسلوكياتها، بالإضافة إلى الأدلة حول كيفية موت الكائن.
- تأريخ طبقات الصخور، مما يمكن علماء الجيولوجيا من تحديد عمر طبقات الصخور المختلفة بناءً على ما يعرف بالارتباط الحيوي الطبقي الذي يعتمد على مقارنة مدى تشابه الأحافير في كل طبقة.
- تحديد مواقع احتياطات النفط والغاز اعتمادًا على دراسة الأحافير المرصودة عند حفر آبار النفط.
أشهر الأحافير المكتشفة
هنا بعض من أشهر وأندر أنواع الأحافير المكتشفة حتى الآن:
- أحفورة عظم الفخذ لديناصور ميغالوصور (بالإنجليزية: Megalosaurus) التي اكتشفت في عام 1676 م في إنجلترا.
- أحفورة الهيكل العظمي للزاحف البحري موزاصور (بالإنجليزية: Mosasaurus) المكتشفة عام 1764 م في أوروبا.
- أحفورة الديناصور إغواندون (بالإنجليزية: Iguanodon) التي تم اكتشافها عام 1820 م.
- أحفورة شبه مكتملة لديناصور هادروصور (بالإنجليزية: Hadrosaurus) المكتشفة عام 1858 م في الولايات المتحدة الأمريكية.
- أحفورة الديناصور ديبلودوكس (بالإنجليزية: Diplodocus) المكتشفة في غرب أمريكا الشمالية عام 1877 م.
ما هو علم الحفريات؟
يعرف علم الحفريات أو علم الأحياء القديمة (بالإنجليزية: Paleontology) بأنه العلم المتخصص في دراسة جيولوجيا الحياة القديمة من خلال تحليل الأحافير النباتية والحيوانية. يركز هذا العلم على جميع جوانب الحياة البيولوجية القديمة، بما في ذلك أشكال الكائنات القديمة، تراكيبها، أنماط تطورها، وتصنيفها مع الكائنات الحية الحديثة، إضافةً إلى مواقع انتشارها وعلاقتها بالبيئة.
يرتبط علم الحفريات بشكل متبادل مع دراسة طبقات الأرض وعلم الجيولوجيا التاريخية، إذ تساهم الأحافير في تحديد الخصائص الرسوبية للطبقات الصخرية والعلاقات الترابطية بينها.