سورة مريم
تُعدّ سورة مريم من السور المكية التي أُنزِلت على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في السنة الرابعة للبعثة. تحتوي على سبع وتسعين آية، وتصنف كالسورة التاسعة عشرة في ترتيب سور القرآن الكريم، بينما تأتي في المرتبة الرابعة والأربعين من حيث النزول، حيث نزلت بعد سورة فاطر وقبل سورة طه. سُمّيت هذه السورة نسبة إلى قصة السيدة مريم -عليها السلام- التي وردت فيها، وقد نُقلت هذه التسمية من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، بينما أطلق عليها ابن عباس -رضي الله عنه- اسم “كهيعص”. نزلت السورة ردًا على الاتهامات الباطلة الموجهة إلى مريم وابنها عيسى -عليهما السلام- من قِبل اليهود، حيث أثبتت طهارة آل عمران وصونهم. ومن الدلائل على فضل هذه السورة ما رواه الصحابي أم سلمة -رضي الله عنها- عن رحلة الهجرة إلى الحبشة، حين دعا النجاشي أساقفته وأظهر لهم المصاحف، ثم طلب من جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يقرأ شيئًا مما جاء به النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقرأ من بداية سورة مريم، مما جعل النجاشي يبكي حتى ابتلت لحيته، بينما ذرفت أساقفته دموعهم حتى بللت الصحف، فقال النجاشي: “والله إن هذا والذي جاء به موسى -عليه السلام- ليخرج من مشكاة واحدة”.
مقاصد سورة مريم
تدور مقاصد سورة مريم حول ثلاثة محاور رئيسية، وهي:
- الرد على الادعاءات اليهودية: إذ اتّهم اليهود مريم -عليها السلام- بالفاحشة حين رأوها تحمل عيسى -عليه السلام-، وقد ورد قولهم في السورة: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا). ورغم استمرار كتبهم في الافتراء على مريم وابنها عيسى -عليهما السلام-، فإن الله سبحانه أكد عمق طهارة ولادة عيسى -عليه السلام-، ومساواتها لخلق آدم -عليه السلام- بقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، مما يوضح براءة عيسى -عليه السلام- من الاتهامات.
- مناقشة النصارى حول اتخاذ الله ولدًا: تبرز السورة أهمية وحدانية الله عز وجل، حيث تُعدّ عبادة الله بلا شريك من الأصول الثابتة في الدين، فأعظم الذنوب هو الشرك بالله كما جاء في قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ). كما تدين السورة مزاعم اليهود والنصارى حول كون الله لديه ولد، مُظهرة عواقب هذا الادعاء الباطل على الكون بقوله: (لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) وغيرها من الآيات التي تصوّر شدة النتائج السلبية لهذا الاعتقاد.
- قصة زكريا وابنه يحيى عليهما السلام: تذكر السورة زكريا عليه السلام الذي كان كفيلاً لمريم -عليها السلام- ويمثل أسرة مباركة ذات سلالة نبوية. كما تُبرز العلاقة القرابية بين يحيى وعيسى -عليهما السلام-، مما يعكس رسالة مفادها أن عيسى -عليه السلام- هو آية من آيات الله وليس كما يدعي أعداؤه.
لطائف وعبر من سورة مريم
تتضمن سورة مريم عدة لطائف وعبر قيمة، منها:
- الجزاء من جنس العمل؛ فكلما بذل العبد جهده في سبيل الله وحسن نيته، كانت الأجر والثمرة أعظم. ومن الأمثلة على هذا، أن الله تعالى أعطى إبراهيم -عليه السلام- ذرية طيبة بعد فترة طويلة من الحرمان، نتيجة لهجرته في سبيله.
- الأخذ بالأسباب مع العلم أنها لن تحقق الهدف ما لم يشأ الله؛ فعندما أمر الله مريم -عليها السلام- بهز جذع النخلة وهي في أشد ضعفها، كان ذلك دليلاً على أهمية بذل الجهد رغم عدم اليقين بالنتيجة.
- من يسعى لتحقيق الخير والعمل به، يوفقه الله لمزيد من المعرفة والتوفيق؛ كما جاء في قوله: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى).