الصحابة رضي الله عنهم
تُظهر مكانة الصحابة -رضي الله عنهم- مكانةً رفيعةً في قلوب المسلمين، حيث يُعتبرون من أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين. يُعتبر حب الصحابة -رضي الله عنهم- تعبيرًا عن حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا فإن محبتهم تشكّل جزءًا لا يتجزأ من عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أشار النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أنهم خير القرون، حين قال: (إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). كما أن الصحابة كانوا هم الوسيلة لنقل الشريعة من رسول الله للأمة بعده، فمثلوا أعلام الهدى ومنارات العلم الذين تعهدوا بنشر الفضائل والأخلاق والصدق. وقد أثنى الله -تعالى- عليهم في آيات عدة، مثل قوله: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)، وأيضًا: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا).
تعريف الصحابة
معنى الصحابي لغةً
تشتق كلمة “الصحابة” من الجذر اللغوي “صحب”، الذي يعني مصاحبة الشيء وملازمته. وبناءً عليه، يأتي معنى “الصاحب” ويُجمع على “الصحب”، حيث يُستخدم تعبير “استصحبه” للدلالة على الملازمة. يُقال أيضًا: “صاحبه” أي عاشره، وتجدر الإشارة إلى أن أهل اللغة اتفقوا على أن كلمة “صحابي” تُشير إلى أي شخص صاحب الآخر، بغض النظر عن مدة الصحبة. وبالتالي، يُمكن القول: صحبت فلاناً لمدد متفاوتة، مثل ساعة أو يوم؛ إذ يُعتبر التعريف اللغوي للصحابي مرنًا ويشمل كل من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى لو لوقت قصير. كما يرى السخاوي أن الصحابي يُعرّف بأنه من صحب رسول الله في أقل الحالات.
تعريف الصحابي اصطلاحًا
لقد أوضح ابن حجر أن التعريف الأكثر دقة للصحابي هو أنه من لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به، ومات على الإسلام. وبالتالي، يشمل التعريف كل من التقى بالنبي، سواءً كانت فترة لقائه طويلة أم قصيرة، بغض النظر عما إذا كان قد شاهده أم لا، حتى لو تعذر عليه ذلك كأن يكون أعمى. كما يدخل في التعريف أولئك الذين غزوا معه أو لم يفعلوا، أو الذين رووا عنه الأحاديث أو لم يرووا. كما يشمل القول “مؤمناً به” كل من آمن به سواء من الإنس أو الجن، حيث أشار ابن حزم إلى أن هناك جنًا آمنوا وسمعوا القرآن من النبي، مما يجعلهم من الصحابة أيضاً. بالمقابل، فإن من لقيه كافرًا يُستبعد من هذا التعريف حتى ولو أسلم بعد ذلك ما لم يجتمع به مجددًا وهو مسلم. ويستثنى من ذلك من آمن به وزعم مخالفته كأحد مؤمني أهل الكتاب، أما من لقيه مؤمنًا بأنه سيبعث، كبحيرة الراهب، فلا يزال موضوعًا للجدل. وإن الحضور بين مرتد عن الإسلام يُعتبر أيضًا غير مُعتمد ما لم يرجع ويجتمع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- مرة أخرى.
تفاوت الصحابة في الفضل
يُعتبر تفاوت الصحابة -رضي الله عنهم- في الفضل من الأمور المعروفة عند العلماء وأهل الإيمان، حيث يرتبط هذا التفاوت بمدى سبقهم للإسلام، والهجرة، والإيواء، والنصرة، والجهاد في سبيل الله. إن أفضلهم هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا وأنفقوا في سبيل الله قبل صلح الحديبية، المعروف بكونه فتحًا. وقد ورد في القرآن الكريم: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَـئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَى وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). ويُذكر أيضًا أن الله -تعالى- خص أهل بدر من المهاجرين والأنصار معتبرًا إياهم في مرتبة سامية، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لعلَّ اللَّه اطَّلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شِئتُم فقد غفرتُ لكم)، وعددهم كان ثلاثمئة وسبعة عشر رجلًا.