تعريف الإعراب كما يراه ابن جني

الإعراب عند ابن جني: تعريف اصطلاحي

أشار ابن جني (ت. 392هـ) في مؤلفه “الخصائص” إلى تعريف مختصر ودقيق لعلم الإعراب. فهو يراه كالتالي: “الإبانة عن المعاني بالألفاظ”. ويوضح هذا التعريف بمثال، حيث يقول: إذا سمعت شخصًا يقول: “أكرم سعيدٌ أباه”، وآخر يقول: “شكر سعيدًا أبوه”، يمكنك أن تدرك أن من رفع ‘سعيد’ يقصد به الفاعل، بينما من نصب ‘سعيدًا’ يقصد به المفعول به، مما يوضح اختلاف معنا الجملتين.

على الرغم من أن الإعراب ليس هو الدليل الوحيد لفهم المعنى، إلا أنه يعد من أبرز القرائن. يقدم ابن جني مثالًا توضيحيًا لذلك عندما يقول: “ضرب يحيى بشرى”. هنا، لا يكون الإعراب هو الحاكم في تحديد الشخص الضارب والمضروب إذا تساءلت عنهما، حيث أن الأسماء هنا قد لا تظهر حركات الإعراب لأسباب متعددة.

يبدو أن استنباط المعنى أصبح صعبًا في حالة عدم معرفة سياق الحديث، وعليه، إذا لم نكن على دراية بالسياق، فإننا نفترض عادةً أن الاسم في المقدمة هو الفاعل، والاسم في المؤخرة هو المفعول. وهذا يدل على ما أراد ابن جني توضيحه بأن بعض الأمثلة تظهر عدم قوة الإعراب في الحكم على المعنى، لكنها تؤكد على أهمية الإعراب في تجنب اللبس.

في كتابه “اللمع”، يقدم ابن جني تعريفًا آخر للإعراب، حيث يقول: “الإعراب ضد البناء في المعنى ومثله في اللفظ، والفرق بينهما هو زوال الإعراب بتغير العامل وانتقاله، ولزوم البناء الحادث من غير عامل وثباته”. من هنا، يُعرِّف الإعراب بناءً على بناء الكلمات، بحيث يبرز كيفية تأثر الإعراب بالعوامل، مشيرًا إلى أن الإعراب يمثل تغييرًا يظهر على نهاية الكلمة المعربة، بينما البناء يعتبر حالة ثبات، وبالتالي، يعتبران ضدين.

الإعراب لغةً حسب ابن جني

يعتبر ابن جني أن كلمة ‘الإعراب’ هي مصدر الفعل ‘أَعْربَ’. ونجدر القول إننا نعبر عن شيء ما عندما نوضحه ونزيل عنه الغموض أو الخلط. وعند قولنا: “زيدٌ معربٌ عمّا في نفسه”، فإننا نشير إلى أنه يبيّن ما في داخله.

قالت العرب: “عرّبت الفرس تعريبًا” إذا قمت بتهيئة أسفل حافر الفرس، وذلك يظهر العلاقة بين هذا المعنى ومعنى الإعراب، حيث يتجلى ما كان خفيًا من أمر الفرس. يمنح هذا الفعل القدرة على معرفة حالة حافره: سواء كان صلبًا أم رخوًا. كما أن الإعراب يتعلق بلغة العرب التي اشتهرت بفصاحتها ووضوحها.

التفريق بين النحو والإعراب

يعتقد البعض أن النحو والإعراب لهما نفس المعنى، لكن الحقيقة هي أنهما يختلفان في المفهوم. فالنحو، وفقًا لاصطلاح النحاة، هو العلم الذي يرتبط بالأحكام التي تحكم التراكيب اللغوية، مما يؤثر على مدى صحة الكلام وسلامة إعرابه. يبين ذلك أن الهدف من تعلم نحو اللغة العربية هو تمكين من ليس منهم من الارتقاء بمستواهم اللغوي ليتساوى مع الناطقين بها، مستندين إلى الفصاحة. ويستنتج من هذا أن النحو لدى ابن جني يعد علمًا أوسع وأكثر شمولاً من الإعراب، حيث إن الإعراب يعتبر أحد فروعه.

Scroll to Top