يستعرض هذا المقال تفسير الآية الكريمة: “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت”، مستندًا إلى آراء أبرز المفسرين مثل الطبري، كما يتناول معاني المفردات الواردة في الآية.
كما يتناول إعراب كل مفردة على حدى، حيث يمكن فهم المقصد من الآية انطلاقًا من معاني المفردات وإعرابها، بالإضافة إلى استنباط الدروس المستفادة التي يمكن أن تعود بالنفع على المسلمين من خلال تفسير هذه الآية.
قوله تعالى في سورة البقرة: “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت”
تتكرر هذه الآية بنفس الألفاظ مرتين في سورة البقرة، في الآيات 134 و141. وفيما يلي تحليل لتفسير: “تلك أمة قد خلت لها ما اكتسبت”:
- يُلاحظ أن المفسرين قد تعددت آراؤهم حول تكرار الآية.
- حيث أشار ابن عاشور إلى أن الغرض من هذا التكرار هو تعزيز معنى ومدلول الآية في نفوس المسلمين.
- بينما ذكر أبو حيان أن الآية الأولى جاءت بعد موضوع مختلف عن الآية الثانية.
- فلفظ “الأمة” في الآية 134 يشير إلى الأنبياء.
- بينما في الآية 141، فإنه يشير إلى أسلاف النصارى واليهود.
معاني الكلمات في “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت”
إن فهم المعنى الخاص بكل كلمة في آيات القرآن يسهم في إدراك المقصود من تفسير: “تلك أمة قد خلت لها ما اكتسبت”. فيما يلي عرض لمفردات الآية ومعانيها المبنية على المعاني المقصودة:
أمة
- كلمة “أمة” تُعتبر مفردة يُجمع على “أمم”، ويقصد بها الجيل أو الفرد الحامل لصفات الخير و الشرف.
- كما تشير إلى مجموعة من الأفراد يجمعهم رابط مشترك دينياً أو تاريخياً أو اقتصادياً.
- أو مجموعة تسعى لتحقيق هدف مشترك، مثالها جماعة المسلمين.
- وتعني “أمة” وفقًا لآراء المفسرين الجماعة من الأنبياء الذين يتصفون بخصال حميدة.
- وقد ذُكرت أسماؤهم في الآية 133 من السورة، وهم: يعقوب، إبراهيم، إسماعيل، وإسحاق.
خلت
- كلمة “خلت” تأتي من الجذر “خلا”، والفعل “يخلو”.
- تشير في التعبير عن خلو المكان إلى عدم وجود أي شخص فيه.
- كما تأتي بمعنى انقضى أو مضى، وفي الآية المعنى المقصود هو “مضت”.
كسبت
- كلمة “كسبت” من المشتقات من الفعل “يكسب”، وقد تأتي بمعنى أصاب أو طلب الرزق.
- وأيضًا قد تعني نال شيء، أو حصل على معلومات، أو اقترف خطأ، أو ربح شيئًا.
- وفي الآية الكريمة يُقصد بكسبت الثواب والأجر عن الأعمال الصالحة التي قامت بها الأمة.
إعراب: “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت”
لكل كلمة العديد من المعاني في اللغة العربية، وذلك بناءً على موقعها وإعرابها. وقد حدد المفسرون معاني وتفسير: “تلك أمة قد خلت لها ما اكتسبت” وفقًا للإعراب التالي:
- تلك: اسم إشارة يدل على البعد، ويشير حرف الكاف إلى توجيه الخطاب للأمة السابقة، وهي في محل رفع مبتدأ لكلمة “أمة”.
- أما “أمة” فتعرب خبرًا مرفوعًا، والجملة “تلك أمة” تعتبر جملة استئنافية.
- قد: حرف تأكيد في اللغة العربية، ويعتبر في محل رفع نعت لكلمة “أمة”.
- “خلت”: فعل ماضٍ مبني على الفتحة، تم حذف الألف منه لتجنب التقاء الساكنين، والتاء هنا ضمير متصل مبني على الرفع.
- “لها”: تتكون من جزئين، حيث تُعتبر اللام من حروف الجر، و”ها” ضمير متصل في محل جر.
- “ما”: اسم موصول يشير إلى المعنى، مبني على الرفع بالضمة في محل مبتدأ مؤخر.
- “كسبت”: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء هنا من الضمائر المتصلة، والجملة “لها ما كسبت” من الجمل الاستئنافية.
تدبر: “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت”
تتمثل أهمية فهم تفسير: “تلك أمة قد خلت لها ما اكتسبت” في إدراك مقاصد القرآن، مما يسهّل تلاوته، بالإضافة إلى استكشاف الدروس الدينية التي يمكن أن تحقق للمسلم نفعًا في حياته الدنيا ويوم الحساب:
- تُستخلص من الآية الكريمة فوائد للمسلم تتمثل في ضرورة انشغاله بنفسه.
- وما يقوم به من أعمال صالحة، كونه سيحاسب على أقواله وأفعاله فقط.
- ولا ينبغي له الانشغال بأفعال الآخرين، إلا من باب النصح فقط.
- كذلك ينبغي للمسلم أن يدرك أنه مسؤول عن أفعاله.
- مما يُطمئن الفرد بعدم تحمل أوزار الآخرين، مثل الأب أو الأم أو الأقارب.
- على الرغم من أن البعض قد يخشى من اتكال الأخطاء على الأفراد القريبين منهم.
تفسير: “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت”
تحتوي الآيات القرآنية على مقاصد وتوجيهات، ويستمد المفسرون من معاني الكلمات والألفاظ مقاصد الآيات. فيما يلي نستعرض آراء المفسرين حول تفسير: “تلك أمة قد خلت لها ما اكتسبت”:
- وورد عن أبي جعفر أن المقصود بـ “تلك أمة” هو سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل.
- كذلك إسحاق ويعقوب والأسباط، أو أن لفظ “أمة” يمكن أن يشير إلى الجماعة.
- تتوجه الآية إلى النبي محمد لتوصيل محتوى الآية إلى أسماع النصارى واليهود.
- حول إخفائهم لما يعرفونه عن سيدنا إبراهيم بأنه كان من المسلمين.
- وادعائهم أن سيدنا إبراهيم وأبنائه كانوا من اليهود أو النصارى.
- الأمة التي أشرنا إليها قد مضت إلى سبيلها.
- وأن الله سيفي بإخلاصهم على الخير الذي عملوه، وسيتحملون أوزارهم من الشر والخطايا كذلك.
- وأن الأمة الحالية من اليهود والنصارى ينبغي أن تحذر وتبادر بالتوبة عن الكفر وسلوك الضلال.
- يجب عليهم أن يتوقفوا عن الاعتماد على أعمال الخير التي قام بها أسلافهم.
- إذ يجب أن تدرك كل نفس أنها ستحاسب على أفعالها يوم الحساب.
- كما أشار الشوكاني في كتابه “فتح القدير” في تفسير القرآن.
- أن هذه الآية تحتوي على الترغيب والترهيب في نفس الوقت.
- أما الترغيب فهو لكسب الأجر من أقوال وأفعال الخير، والترهيب من أعباء الشر.
تفسير الطبري
يعتبر الطبري واحدًا من أشهر المفسرين في تاريخ الإسلام، ونستعرض فيما يلي تفسيره لهذه الآية من كتابه المشهور:
- لفظ “أمة” يعني الجماعة، و”تلك” تشير إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأبنائهم.
- يقول الله لأهل النصارى واليهود أن يتوقفوا عن ذكر تلك الأمة الخالدة عند الله.
- وأن يكفوا عن الحديث عن كونها أمة كافرة تتبع آل اليهود والنصرانية.
- لفظ “خلت” تعني أنها مضت إلى طريقها. ويشير هذا إلى أن الشخص قد تخلى عن الحياة الدنيا.
- أو يوجد في مكان ما بلا أنيس، يستخدم هذا التعبير مع الشخص الذي يتوفى.
- وهذا يشير أيضًا إلى أن “قد خلت” تعني “قد ماتت”.
- الجملة “لها ما كسبت” تشير إلى أن الأمة السابقة لها جزاء على ما قامت به من أعمال في الحياة الدنيا.
- وأن هذه الأعمال لا تُنسب لأعمال الأمة الحالية.
- لأن الله يُخصص كل نفس فيما ستعانيه من خير أو شر.
التفسير الميسر:
- تشير الآية إلى أن تلك الأمة (إبراهيم وآله ومن سبق من الأنبياء) قد مضت بأعمالها، ولها جزاؤها على ما كسبت، وأن كل أمة مسؤولة عن أعمالها فقط، ولا تُسأل عن أعمال غيرها. والآية تؤكد أن النجاة تكون بالإيمان بالله واتباع الرسل، وليس بالانتساب إلى الأنبياء.
المختصر في التفسير:
- الأمة المشار إليها في الآية قد مضت، ولها الجزاء على الأعمال التي قامت بها. فلهم أجر أعمالهم، ولكم أجر أعمالكم. لا يتحمل أحد ذنب غيره، ولا ينتفع بعمل غيره، وكل إنسان سيجازى حسب عمله الشخصي.
تفسير الجلالين:
- الأمة السابقة مضت ولها جزاء أعمالها، ولكم جزاء أعمالكم، ولن تسألوا عن أعمالهم. وقد تم تقديم هذا المعنى في مواضع سابقة، والآية تؤكد هذا المفهوم.
تفسير السعدي:
- الآية توضح أن الأمة السابقة لها أعمالها، ولكم أعمالكم. وكرر الله هذه الآية لقطع تعلق الناس بالانتساب إلى أسلافهم. ما يهم هو ما يقوم به الإنسان بنفسه من أعمال، وليس مجرد الانتساب للأجداد.
تفسير البغوي:
- الأمة المذكورة مضت، ولكل فرد منهم عمله الذي سيجازى عليه. تكررت الآية تأكيدًا للفكرة.
التفسير الوسيط:
- تشير الآية إلى تحذير أهل الكتاب من الكفر والمعصية بناءً على انتسابهم للأنبياء أو الصالحين. الأمة السابقة، كإبراهيم وإسماعيل وغيرهم، قد مضت، ولكل منهم أعماله. ولا يُسأل أحد عن أعمال غيره. المقصود من الآية هو التنبيه على أن النجاة لا تكون بالانتساب إلى الأنبياء بل بالإيمان والعمل الصالح.
تفسير ابن كثير:
- الأمة التي مضت لها أعمالها التي ستجازى عليها، ولكم أعمالكم التي ستحاسبون عليها. الانتساب إلى الأنبياء لا يغني عن أحد ما لم يتبع تعاليم الله ويعمل بما أُمر به. الكفر بأي نبي يعني الكفر بجميع الأنبياء، ولا سيما إذا كان الكفر بخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.
تفسير القرطبي:
- تكررت الآية لأنها تحمل تهديدًا وتخويفًا. إذا كان الأنبياء أنفسهم سيجازون على أعمالهم، فكيف بغيرهم؟ ولذلك جاء التأكيد على أن كل إنسان سيحاسب على عمله الشخصي، ولن يسأل عن أعمال غيره.