دراسة حول فتح مدينة القسطنطينية التاريخيّة

مدينة القسطنطينيّة

عند التحدث عن مدينة القسطنطينيّة، يجب أن نستعرض الأسماء التي أُطلقت عليها عبر التاريخ، مثل بيزنطة، الأستانة، إسلامبول، وأخيراً إسطنبول. وارتبط اسم القسطنطينيّة بالإمبراطور الروماني قسطنطين الأول الذي أعلن أنها العاصمة الجديدة للإمبراطورية الرومانية، وأطلق عليها اسم قسطنطينيّة. بعد انقسام الإمبراطورية، أصبحت القسطنطينيّة العاصمة الرئيسية للجزء الشرقي منها، حيث شهدت فترة ازدهار ملحوظة في المجالات الدينية، التجارية، العسكرية، والسياسية. ومع ظهور الإسلام وانتشار الفتوحات الإسلامية، كان للقسطنطينيّة دور مهم في تلك الأحداث. في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل فتح القسطنطينيّة.

فتح القسطنطينيّة

قبل الخوض في تفاصيل فتح القسطنطينيّة، من المهم الإشارة إلى نبوءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا الفتح. فقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: “بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سُئل: أي المدينتين تُفتح أولًا، القسطنطينيّة أو روميّة؟ فقال رسول الله: مدينة هرقل تُفتح أولًا – يعني القسطنطينيّة.”

محاولات فتح القسطنطينيّة

عمل المسلمون على إجراء مجموعة من المحاولات لفتح القسطنطينيّة لتحقيق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلك المحاولات:

  • في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وُجدت محاولة لفتح القسطنطينيّة ولكنها لم تنجح.
  • عند الخليفة سليمان بن عبد الملك، حاول الأمويون مرة أخرى ولكنهم فشلوا أيضًا.
  • خلال فترة الدولة العباسيّة، تم تنفيذ حملات عديدة، كان أبرزها تلك التي جرت في عهد هارون الرشيد ولم تحقق النجاح أيضاً.
  • في عهد السلطان بايزيد الملقب بالصاعقة، تم فرض حصار على القسطنطينيّة، إلا أن هجوم المغول على الدولة العثمانيّة من جهة الشرق أرغم بايزيد على إنهاء الحصار لمواجهة التهديد المغولي.
  • أيضًا في عهد السلطان مراد الثاني، تمت محاولة فتح لكنها لم تنجح كغيرها من المحاولات السابقة.

التحضير لفتح القسطنطينيّة

بدأ التحضير لفتح القسطنطينيّة وتحقيق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم منذ تولّي محمد الفاتح الحكم في الدولة العثمانيّة، حيث كان هدفه المحوري هو فتح القسطنطينيّة. اهتم محمد الفاتح بتعزيز الروح المعنوية لجيشه، حيث أرسل إليهم العلماء لتذكيرهم بأحاديث النبي حول فتح المدينة وتقدير الجهود التي يبذلونها. وركز أيضاً على إعدادهم ماديًا وعسكريًا مثيرًا انتباههم لتحقيق هذا الهدف المقدس. وقد حدد العقبات المحتملة التي قد تواجهه في عملية الفتح وأهمها:

  • عدم وجود حصونٍ يتمكن المسلمون من اللجوء إليها في بداية الحصار، مما يعرضهم للبقاء في العراء في فصل الشتاء القاسي، حيث يستغرق بناء حصن أكمل سنة.
  • عدم توافر مدافع فعّالة قادرة على اختراق الأسوار المنيعة للقسطنطينيّة.
  • انعدام القدرة على الاختراق عبر الخليج للوصول إلى الأسوار، بسبب وجود سلسلة تمنع السفن من التقدم.

بعد تحديد هذه العقبات، بدأ محمد الفاتح العمل على تجاوزها، حيث خصص موارد مالية كبيرة لذلك واستعان بأهل الخبرة لتقديم آرائهم. هذا الجهد ساهم بشكل كبير في وضع خطة الفتح الأولى.

خطة فتح القسطنطينيّة

لتحقيق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، عمل محمد الفاتح على تجاوز جميع العوائق أمام جيشه من خلال ثلاثة أمور رئيسية:

  • قام ببناء حصن كبير للمسلمين في زمن قياسي لم يتجاوز الثلاثة أشهر، بالرغم من أن عادة بناء حصن تستغرق سنة كاملة.
  • كلّف محمد الفاتح المهندس المجري أوربان بتصنيع مدافع قوية قادرة على اختراق أسوار القسطنطينيّة، وفي غضون ثلاثة أشهر، صنع أوربان ثلاثة مدافع من بينها مدفع ضخم.
  • نجح محمد الفاتح في نقل سفنه عبر ممرّ أنشأه بين الجبال ليصل مباشرة إلى الخليج، مما يمكن السفن من تجاوز السلسلة المعيقة.

بعد هذه التحضيرات، وصلت السفن إلى أسوار القسطنطينيّة، وبدأت المدافع في قصف الأسوار من جميع الجهات. واستمر حصار المدينة مدة ثلاثة وخمسين يومًا، حتى توصل المسلمون إلى نصر حاسم، حيث تمكنوا من قتل إمبراطور القسطنطينيّة والسيطرة على المدينة بالكامل. وقد أمر محمد الفاتح بتحويل كنيسة أيا صوفيا إلى مسجد ورُفع الأذان فيها، وأطلق على المدينة اسم إسلام بول، والذي يعني مدينة الإسلام. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القسطنطينيّة عاصمةً للدولة العثمانية واستمرت كذلك حتى انتهاء الخلافة الإسلاميّة.

محمد الفاتح مفتح القسطنطينيّة

محمد الفاتح هو السابع من سلاطين الدولة العثمانيّة، وُلد في مدينة أدرنة عام 833 هجري، وهو ابن السلطان مراد الثاني وحفيد السلطان محمد جلبي الأول. وقد أولى السلطان مراد الثاني عناية خاصة بإبنه، حيث حرص على تعليمه ركوب الخيل وفنون القتال. ليكتسب محمد الفاتح المهارات اللازمة، كان السلطان مراد الثاني يصحبه في المعارك. عُرف محمد الفاتح أيضًا بعلمه الواسع في العلوم الشرعيّة وحبه للفنون، بالإضافة إلى إتقانه للغات مثل الفارسيّة واليونانيّة والصربيّة. توفي السلطان محمد الفاتح بين جيشه يوم الخميس 4 ربيع الأول 886 هجري، وكان عمره حينها 52 عامًا.

Scroll to Top