فهم المعرفة وفق التجريبية
إن فهم المعرفة في إطار المذهب التجريبي، الذي يُعتبر أحد المذاهب العلمية، يعتمد على فكرة التطابق بين ما هو خارجي وما يختزنه الذهن البشري. يُعتبر هذا التطابق مدخلًا أساسيًا لفهم طبيعة المعرفة وطرق تكوينها. ومن ثم، يُستخلص أن المعرفة ليست ذاتية فقط، بل ليست مجرد تصورات عابرة، مما يشكل نقدًا للمذهب المثالي الذي يعتبر العقل المصدر الوحيد للمعرفة ويضع الذات في قلب نظرية المعرفة.
يتسم التيار التجريبي بالواقعية، حيث يعتمد في رؤيته المعرفية على العالم الخارجي، ولكنه لا ينفي دور الذات. تُعتبر نظرية التطابق من أبسط النظريات المطروحة من قبل التجريبيين والواقعيين، إلا أنها تطورت لتظهر تيارات جديدة، مثل الواقعية النقدية، التي اعتبرت التطابق وجهًا بسيطًا من المعرفة. ففهم التجريبيين النقديين للأشياء يتطلب أولاً دراسة خصائصها.
لا تُعتبر جميع الخصائص على نفس القدر من الأهمية، ومن هنا، أفاد جون لوك، أحد رواد المذهب التجريبي، بأن هناك خصائص أولية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالشيء (مثل الشكل)، في حين أن الخصائص الثانوية (مثل اللون) يمكن أن تكون منفصلة عنه. الخصائص الأولية تصل إلى الإنسان بشكل مباشر عبر حواسه، بينما الخصائص المركبة تعبر عن بدل أكثر تعقيدًا وليس مجرد تطابق مباشر.
خطوات المنهج العلمي التجريبي لتحقيق المعرفة
تعتمد عملية اكتساب المعرفة في مختلف العلوم على التجربة والتفاعل مع العالم الخارجي، مما يجعل المنهج التجريبي يُعتبر بمثابة المنهج العلمي. ومن هذا المنطلق، صاغ المفكرون إجراءات المنهج التجريبي التي تمثلت في الخطوات التالية:
الملاحظة
تُعتبر الملاحظة الخطوة الأولى في المنهج التجريبي، وهي من أقدم الوسائل التي اعتمدها الإنسان في اكتساب المعرفة. تُعرف بأنها عملية جمع المعلومات من خلال الحواس الخمس، وتعتبر ممارسة طبيعية لا إرادية يُمارسها الإنسان بشكل دائم. في البحث العلمي، تُقسم الملاحظة إلى ثلاثة أنواع:
- الملاحظة البسيطة.
- الملاحظة العلمية.
- الملاحظة غير المباشرة.
- الملاحظة المضبوطة.
الفروض
الفروض تُعتبر مجموعة من التوقعات والتخمينات التي تفسر الظاهرة المرصودة. يمكن أيضًا تعريفها على أنها نظرية لم يتم إثبات صحتها بعد وتظل قيد البحث والدراسة. وتتنوع الفروض إلى عدة أنواع تشمل:
- الفروض الافتراضية أو الأسطورية.
- الفروض الفلسفية.
- الفروض العلمية.
التجربة
التجربة هي المرحلة الأكثر أهمية في المنهج التجريبي لبلوغ معرفة نهائية، وتُعرف بأنها تحرٍ للاختبار أو تحقق من صحة الفرضية. تتنوع التجارب إلى عدة أنواع تشمل:
- التجربة غير المباشرة.
- التجربة المباشرة أو الإيجابية: وتتضمن التجربة الطارئة والتجربة العلمية.
- التجربة الصناعية.
- التجربة الطبيعية.
- التجربة التي تشمل مجموعة من الأفراد لإجراء دراسة معينة.
- التجربة العشوائية.
الاستبيان
الاستبيان هو وسيلة لجمع البيانات، ويُعتبر مكافئًا لاستمارة البحث. يُقسم الاستبيان إلى أنواع عدة، منها:
- الاستبيان المباشر.
- الاستبيان غير المباشر.
- الاستبيان المحدد أو المقفول.
- الاستبيان المفتوح.
إذن، فإن المعرفة العلمية تعتمد بشكل أساسي على التجربة وليست مجرد تأملات خالصة. ومع ذلك، لم يُنكر رواد هذا التيار أهمية الذات من خلال التفكير فيما يتم اكتسابه. لقد تطور المنهج التجريبي عبر العصور ليصبح مجموعة متكاملة من الخطوات المعرفية.